التسليم المنقوص للسلطة

رغم تأكيدات الرئيس محمد مرسى فى خطاباته الثلاثة التى ألقاها من ميدان التحرير ومن جامعة القاهرة ومن معسكر الهايكستب حول عودة الجيش إلى ثكناته لممارسة مهامه فى حماية البلاد، وعودة المؤسسات المنتخبة للقيام بدورها، وبدء عمله رئيسا لكل المصريين، وحرصه على أداء القسم أمام الملايين فى ميدان التحرير ثم أمام المحكمة الدستورية بكامل قضاتها، وتكرار القسم أمام نخبة المجتمع والسفراء والحكومة وأعضاء مجلس الشورى ومجلس الشعب المنحل، وجلوس رئيس مجلس الشعب المنحل الدكتور محمد سعد الكتاتنى فى مكانه البروتوكولى تأكيدا لعدم اعترافه بحل المجلس، وتسلمه المهام رسميا من المشير طنطاوى رئيس المجلس العسكرى بعد أداء طنطاوى ورئيس الأركان الفريق سامى عنان التحية له، رغم كل هذا فإن السلطة التى تسلمها الرئيس مرسى سلطة منقوصة بفعل الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره العسكر قبيل إعلان نتائج الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية. فبقاء سلطة التشريع فى يد المجلس العسكرى حتى الانتهاء من الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد يعنى أن هذه الفترة سوف تشهد تأزما بين الرئيس والمجلس من حيث إن الرئيس يجب أن يعتمد التشريعات التى سوف يقترحها المجلس، علاوة على وصاية المجلس على بعض صلاحيات الرئيس الأساسية، فمن تشكيلة الحكومة سوف يتضح حجم تأثير المجلس العسكرى على التشكيل، كذلك تشكيل هيئة الرئاسة التى من المفترض أن تتم بعيدا عن تدخل المجلس. ليس من السهل أن يقوم العسكر بتسليم السلطة بعد ستين عاما من السيطرة عليها وإدارتها بعيدا عن دولة المؤسسات والمحاسبة، وقد أكد كثير من المراقبين أن العسكر لن يسلموا السلطة إلى المدنيين بسهولة. كذلك معظم الملفات الأساسية سواء ما يتعلق بالأمن القومى أو الاقتصاد أو الفساد أو الأمن أو حتى طعام المصريين وشرابهم، هى تحت يد المجلس العسكرى الآن، وكان عام ونصف من وجودهم فى السلطة كفيلا بأن يعرفوا الكثير عن دواليب الدولة وأجهزتها ومواطن الضعف والقوة فيها وأماكن التأثير، وأصبحت كل الملفات الأساسية تحت أيديهم. وحتى يصل الفريق الرئاسى أو الوزارى إلى تفاصيل هذه الملفات فإنه بحاجة إلى وقت لا يقل عن عام، وهذا تحدٍّ كبير أمام مرسى وفريقه. التحدى الأكبر هو تحدى المائة يوم فالرئيس وعد بحل عدد من أكبر المعضلات أمام الشعب المصرى خلال مائة يوم، وهى معضلات المرور ورغيف الخبز والأمن والمحروقات وإنعاش الاقتصاد، وقد بدأ المتربصون بمرسى وغير المتربصين العد التنازلى للمائة يوم، وفى العرف السياسى تلعب المائة يوم الأولى فى أى نظام دورا رئيسيا فى استقرار النظام وتحديد مستقبله، والتحديات التى أمام مرسى تحديات متراكمة منذ عقود، والجزء الرئيسى منها فيما يتعلق برغيف الخبز ومحطات البنزين والغاز كلها مرتبطة بشبكة المصالح لرجال الأعمال المرتبطين بالنظام السابق والذين يهمهم بالدرجة الأولى أن يفشل مرسى فى مهمته، كما أن الأمن والمرور مرتبطان بوزارة الداخلية التى كانت العدو اللدود للإخوان المسلمين طوال العقود الماضية، إذا افترضنا أن أجهزة الدولة ستظل تتعامل مع محمد مرسى على أنه مرشح الإخوان المسلمين وليس رئيس مصر الآن. أما الاقتصاد فقد كانت منظومة رجال الأعمال طوال العقود الماضية هى منظومة رجال الأعمال المرتبطة بالنظام، وهؤلاء وقفوا بوضوح تام إلى جوار أحمد شفيق ودعموه علنا ضد مرسى، وليس من السهل عليهم أن يدعموا مرسى أو يساعدوه على إنجاح برنامجه بسهولة. إذن التحديات أمام الرئيس محمد مرسى كبيرة مع سلطة منقوصة ومتربصين فى كل مكان، بل وخطط لإفشاله وإسقاط المشروع المدنى لحكم مصر لأول مرة بعد ستين عاما من حكم العسكر، ورغم تأكيد المراقبين أن مرسى وجه ضربات تحت الحزام لمن ينتقصون سلطاته أو يسعون لإفشاله فى خطابيه فى التحرير وجامعة القاهرة وظهر رئيسا قويا لن يقبل بسلطات منقوصة، فإن التحديات على أرض الواقع عادة ما تكون أكبر من تصورها، فمظاهر تسليم السلطة تختلف كثيرا عما يدور فى الغرف المغلقة بعيدا عن الكاميرات.. إنها السلطة التى تتقاتل عليها البشرية وتتنازع منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها.

Total
0
Shares
السابق

أخطاء الإخوان المسلمين

التالي

التكالب على الوزارة!

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share