الرئيس.. ممنوع من السفر! (2)

كانت الخطوط الجوية القطرية قد أدخلت خدمة ختم الجوازات على متن الطائرة لركابها القادمين من الدوحة، وكان ضابط من جوازات القاهرة يصاحب الرحلة من الدوحة مما يسهل على الركاب عدم الوقوف فى صف الجوازات عند الوصول، وهذا نوع من الخدمات منتشر على مستوى العالم، وفى إحدى مرات عودتى إلى الدوحة قبل عامين تقريبا عادت المضيفة بجواز سفرى وقالت لى: «الضابط يعتذر عن ختم جوازك»، تعجبت ثم حملت جوازى وذهبت للضابط سلمت عليه وقلت له: «لماذا لم تختم جواز سفرى؟» قال: «أما تذكرنى؟» قلت: «لا؟» قال: «أنا الضابط الذى احتجزونى فى المطار قبل عشر سنوات بسببك ولا أريد أن أكرر التجربة»، ضحكت وقلت له إن اسمى رفع من الإدراج، قال: «ما أعرفه أنهم يرفعونه ثم يدرجونه، لذا اسمح لى سآخذ جوازك حينما ننزل وأنهى لك إجراءاته بمجرد وصولنا»، وأذكر هنا أن معظم الذين كانوا مدرجين فى دول الخليج علموا بالخدمة التى تقدمها الخطوط القطرية فكانوا يركبونها، ويخرجون مباشرة من المطار قبل إيقافهم، فاتخذ قرار بعدم خروج أى راكب إلا بعد فرز الطائرة كلها ثم ألغيت الخدمة فى النهاية! هذه شواهد على ما تعرض له المصريون طوال العقود الماضية على يد رجال أمن الدولة فى المطار، أذكر أن العلامة الدكتور يوسف القرضاوى احتجز ليلة كاملة فى المطار، أما الدكتور زغلول النجار فقد أبلغنى أنه قضى ليلة كاملة يجلس القرفصاء على كرسى فى المطار حتى الصباح وآلاف آخرون، وفى أحد أيام إيقافى وجدت رجل أعمال إماراتيا غاضبا بسبب إيقافه كلما دخل أو خرج، وأبلغنى أن حجم استثماراته فى مصر تزيد على نصف مليار جنيه وأنه يفكر فى سحبها، لا سيما أنه اشتكى لكل المستويات مما يتعرض له فى المطار. آلاف مؤلفة من المصريين منعوا وهم يرتدون زى الإحرام من السفر لأداء العمرة والحج، وآلاف مؤلفة خسروا وظائفهم أو حرموا من بعثاتهم التعليمية لأن ضابطا ساديا نصف متعلم كان يقرر مصير الناس، ويدوس على أحكام القضاء ويقيم دولة «أمن الدولة». مع هذا لم يكن ضباط أمن الدولة كلهم سيئين، وهنا أقر أنى صادفت نوعيات راقية، خلال سنوات معاناتى معهم، من أصول كريمة شأن معظم أبناء الشعب المصرى، لكن النوعيات المريضة التى كانت تتصدر المشهد كانت هى الطاغية وهى التى توجد فى مواقع إيذاء الناس، وقد بقيت سنوات أتصل على أحد هؤلاء قبل سفرى وقبل وصولى حتى أتجنب تأخير الطائرات فى الإقلاع، وإيقافى ساعات فى الوصول، وكان رجلا معى إلى حد بعيد، وما زلت أوده بالاتصال من آن لآخر رغم أنه ترك الخدمة منذ مدة، ورغم جلستى الحادة جدا معه أول مرة فإنه بعدها قال لى: «أنت شخص جدير بالاحترام وسوف أفعل ما أستطيع حتى أزيل عنك هذا الغبن، فأنت شرف لكل مصرى بموقعك وبما تقوم به»، وقد فعل، ويسمح لى أن أذكر اسمه اعترافا بالجميل وهو اللواء طارق الركايبى. لكن هذا لم يكن يمنع أن يوضع اسمى من آن لآخر من طرف هذا الجهاز أو ذاك، لكن كان مغضوبا علىّ من الجميع وكنت أشرف بذلك لأنى ما بحثت يوما عن الرضا ولكنى كنت دائما أفرض الاحترام. وأود أن أنهى بقصة طريفة حدثت لى قبل أسبوعين فى مطار القاهرة وكنت عائدا من باريس، وجدت أحد ضباط الجوازات يرحب بى ويصر أن يختم لى جوازى بنفسه وأنا المغضوب علىّ دائما، شكرته وأعطيته الجواز، حينها جاءه أحد زملائه ركضا وهو يقول: «يا أفندم فلان وفلان وصلا على الطائرة القادمة من باريس وهما وزيران سابقان ممن عمل مع حسنى مبارك»، قال له: «دول مدرجين بلغ فورا أمن الدولة طبعا»! قلت: «يا سبحان الله! دارت الأيام». حينما علمت أن الرئيس محمد مرسى ما زال مدرجا على قوائم الممنوعين من السفر تذكرت هذه القصص، لكنى لا أعرف ماذا سيحدث حينما يغادر الرئيس اليوم متوجها للسعودية فى أول مهمة رسمية له رئيسا خارج مصر؛ هل سيقول له ضابط الجوازات: «سيادة الرئيس أنا آسف أنت ممنوع من السفر»؟

Total
0
Shares
السابق

الرئيس .. ممنوع من السفر! (1)

التالي

«الدستورية» والأيدى الخفية

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share