مغامرة فى الريف الإنجليزى

قررت ألا أسجل الحلقة الثانية لجوليان أسانج فى بيت إلينجتون هول حتى لا أخضع لابتزاز البريطانية الجشعة صاحبة المنزل الذى يقيم فيه أسانج مرة أخرى، ولكن أنى لى أن أجد مكانا آخر فى منطقة ريفية نائية كهذه؟ على الفطور سألت صاحبة المزرعة التى كنت أقيم فيها مع أحمد إبراهيم عن مكان يمكن أن نسجل فيه، قالت إن هناك قرية ليست بعيدة بها بيت يؤجر صاحبه قاعة فيه يجتمع فيها أهل القرى فى المنطقة فى المناسبات العامة، وأعطتنا رقم هاتفه، فكلمه أحمد إبراهيم وأدخل إحداثيات عنوان بيته على جهاز توجيه الساتلايت الذى بالسيارة، وانطلقت معه فى يوم بارد غائم ممطر تعصف فيه الرياح نبحث عن ذلك البيت فى عمق الريف الإنجليزى، فإذا بنا بعد قليل حسب توجيهات الساتلايت نخرج من الطريق العام وندخل فى طريق فرعى ومنه إلى طريق زراعى ثم إلى طريق ترابى لا تسير فيه إلا سيارة واحدة، حينئذ استبد بى القلق وقلت له: «هل أنت متأكد أننا نسير فى الطريق الصحيح؟»، قال: «هذا هو توجيه الساتلايت كما ترى»، قلت له: «أخشى أن نكون فى طريقنا إلى أحد منازل الرعب المخيفة فى عمق المزارع، ونجد أنفسنا داخل فيلم رعب مما نشاهده فى السينما». المنطقة بالفعل كانت مخيفة ولا توجد بها بيوت، ليس إلا المزارع على امتداد البصر مع الضباب والمطر، حينئذ يصبح الجو كله كئيبا ومخيفا، بعد قليل وجدنا معالم بيت بعيد كأنه داخل مزرعة وشخصا يقف أمامه أشار إلينا من بعيد، قلنا من المؤكد أننا وصلنا، ولكن كيف يعيش هؤلاء الناس هنا وسط هذا الفراغ العمرانى الهائل؟! فعلا وجدنا أن هذا هو البيت وهذا صاحبه. كان شكل البيت من الخارج بالفعل أشبه ما يكون بالبيوت التى تمثل فيها أفلام الرعب الأمريكية؛ بيت وحيد وسط مزرعة كبيرة وأرجوحة معلقة فى شجرة بعيدة، وحظيرة قريبة، وعدة أبنية متفرقة صغيرة، ومنازل بعيدة فى مزارع أخرى على مرمى البصر، رحب بنا الرجل ثم أخذنا إلى المكان الذى من المفترض أن نصور فيه فصدمنا، لقد كان أقرب ما يكون إلى حظيرة الحيوانات المفتوحة منه إلى أى شىء آخر، نظرت إلى أحمد إبراهيم وقلت له وأنا أكتم الضحك: «استوديو هائل! يا شماتة الإنجليزية فينا، لكنى لن أصور عندها ولو مجانا»، لم يفهم منا الرجل شيئا مما نقول وسط الجو البارد والرياح العاصفة والمطر، وكان واضحا أنه ينتظر برجاء أن نقول له قبلنا التصوير هنا، لكن هذا كان مستحيلا، قلت له وأنا أحاول أن أستدفئ بالمعطف السميك الذى أرتديه من البرد الشديد: «أليس عندك شاى أو قهوة؟»، قال بارتباك: «نعم نعم، تفضلوا»، وأدخلنا إلى بيته، كان البيت دافئا وكان الفارق هائلا بين داخل البيت وخارجه، وحينما دخلنا أخذنا إلى الصالون، فوجدت مدفأة تعمل بالحطب سرعان ما أشعلها فسرى شىء من الدفء فى أوصالنا، ومع منظر المدفأة والنيران المشتعلة بها والحطب والمكان الدافئ قلت له: «ألا يمكن أن تؤجر لنا هذه الغرفة لنصور فيها، لأن الصالة التى فى الخارج لا تصلح؟»، قال الرجل دون تردد: «نعم، ممكن»، قلت له: «لكننا نريد إخراج هذا الدولاب من الغرفة، وكذلك بعض المقاعد، وتهيئتها للتصوير»، قال بلهفة الإنجليزى الذى ينظر لجيوبنا: «افعلوا ما بدا لكم»، قلت له: «كم تأخذ من المال علما بأننا ربما نحتاجها نصف يوم أو أكثر؟»، فكر الرجل قليلا واعتقدت أنه سيطلب ألف جنيه أو أكثر مثل الإنجليزية الجشعة، لكنه قال وهو يتلعثم خوفا من أن نرفض المبلغ الذى سينطق به: «مائة وخمسين جنيها إسترلينيا»! كتمت سعادتى ونظرت لأحمد إبراهيم ونظر لى، وخشى الرجل أن نظراتنا تعنى أننا نستكثر المبلغ أو ننقصه أو نرفضه، فقلت له: «ما رأيك لو أعطيتك مائتى جنيه وليس مائة وخمسين؟»، تهللت أساريره وبدا كأنه وصل إلى مرحلة عدم القدرة على النطق من الفرحة. (نكمل غدا)

Total
0
Shares
السابق

الفارق بين حكام إسرائيل والحكام العرب

التالي

وصية جوليان أسانج

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share