وصية جوليان أسانج

كاد قلب الإنجليزى أن يتوقف من الفرحة حينما أبلغته أننى سأمنحه مائتى جنيه إسترلينى وليس مائة وخمسين مقابل استخدام صالون بيته لتصوير حلقة «بلا حدود» الثانية مع جوليان أسانج، ثم استدركت وقلت له، لمعرفتى ببخل الإنجليز وحسابهم بدقة لمقابل كل شىء يقومون به: زدتك خمسين جنيها مقابل أن تأتى لنا بكمية جيدة من الحطب حتى تبقى المدفأة مشتعلة طوال ساعات وجودنا فى البيت، وكذلك تلبى طلباتنا وطلبات الفريق الفنى من الشاى والقهوة خلال ساعات التصوير، فقال الرجل وهو فرح: وسوف آتيكم علاوة على ذلك ببعض الفاكهة، قلت لأحمد إبراهيم: لعلى بدأت فى فهم نفسية الإنجليز. وأخرجت مائة جنيه من جيبى كادت عين الإنجليزى تخرج وهو ينظر إليها وقلت له: هذا عربون للاتفاق وسوف أعطيك الباقى بعد التصوير، أخذها بلهفة وقال: اتفقنا. اتصلنا بجوليان أسانج وأبلغناه أن التصوير سيكون فى مكان غير الذى يقيم فيه، وأرسلنا له العنوان، لكن مساعدته قالت لنا: هناك مشكلة. قلنا لها: ما هى؟ قالت: إن جوليان يتحرك وفى رجله حلقة إلكترونية من البوليس تحدد دائرة محدودة لحركته ويمكن لهذا المكان أن يكون خارج الدائرة قلت: يا إلهى ماذا نفعل إذن؟ قالت أعطونى العنوان وأضعه على الإنترنت وأرى إن كان ضمن دائرة تحرك أسانج أم خارجها، أرسلنا لها العنوان فكلمتنا بعد قليل وقالت: العنوان داخل الدائرة. حمدنا الله وقلت فى نفسى: إن الإنجليزى يحلم بالمائة جنيه الأخرى وربما أصابته سكتة لو علم أننا لن نصور فى بيته. سألت جوليان أسانج عن مخاوفه من تسليمه للسويد فقال: «أنا قلق جدا بشأن هذه المسألة ومحامىّ أيضا قلق ويبدو أن هناك محاولة لتوجيه تهم لى بالتآمر بارتكاب تجسس فى الولايات المتحدة وتهم أخرى، وهذا الأمر معروف وعلنى فوزير العدل الأميركى إيريك هولدر قد صرح بأنهم يسيرون فى عملية تحقيق، كما أن أعضاء من وزارة العدل صرحوا بذلك وجو بايدن وصفنى بأننى إرهابى أمتلك تكنولوجيا رفيعة المستوى، إذاً فهذا أمر مقلق كما أن هناك فريق عمل مكونا من 120 شخصا من وكالة الاستخبارات الدفاعية والـFBI ووزارة الدفاع أعلن عنه قبل ثلاثة أشهر وهو فريق عمل متخصص بالتحقيق فى «ويكيليكس» كما أن الـCIA أعلنت عن فريق تحقيق خاص بها والحكومة الأسترالية أيضا أعلنت عن فريق تحقيق مناهض لويكيليكس وهو يشرك مجموعات متعددة من الحكومة بمن فيها الشرطة الفيدرالية ووكالة استخبارات محلية وأجنبية والجيش، إذاً فهذا كم هائل من العمل التحقيقى يضخ بغية أن تتمكن الولايات المتحدة من إنقاذ ماء وجهها من هذا الإحراج بسبب هذه التسريبات». إذن كانت مشكلة أسانج الحقيقية من وراء ملاحقته قضائيا فى بريطانيا حتى يسلم للسويد هو أن السويد سوف تسلمه للولايات المتحدة وأن تهمة التحرش الجنسى التى كان يلاحق بسببها ليست سوى غطاء للتهمة الحقيقية المتعلقة بتسريبه لملايين الوثائق الأمريكية. على غداء فى أحد المطاعم التى مررنا بها فى الطريق أبلغنى أسانج أنه وقع عقد نشر مذكراته وتقاضى خمسة ملايين جنيه إسترلينى سينفقها جميعها على أتعاب المحامين الذين يدافعون عنه حتى لا يسلم للسويد، وأكد أنها لا تكفى. كانت الأيام الأربعة التى قضيناها مع أسانج أنا وأحمد إبراهيم كفيلة بصناعة نوع خاص من المودة بيننا، جعلت أسانج يتصل بى فى شهر يوليو من عام 2011 ليدعونى لحضور حفل عيد ميلاده حيث اعتذرت فقال لى: يا أحمد لا تنسَ وأنت تكتب أو تتحدث فى برامجك عن الربيع العربى أن تنوه إلى دورى المهم فى صناعة الثورات العربية، قلت له: أكيد يا جوليان. وفى العشرين من يونيو الماضى فاجأ أسانج العالم بلجوئه إلى سفارة الإكوادور فى بريطانيا بعدما حكمت المحكمة العليا البريطانية بتسليمه للسويد، وما زال حتى اليوم ينتظر البت فى طلبه، وقد كتبت عنه هذه الحلقات وفاء لوصيته لى وأن أذكر العرب بدوره فى ثورات الربيع العربى من خلال ما كشفه من وثائق.

Total
0
Shares
السابق

مغامرة فى الريف الإنجليزى

التالي

المطار مرة أخرى يا سيادة الرئيس

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share