البلطجة تحكم مصر

من يفتح الصحف المصرية كل صباح يتصور أن مصر لم يعد بها حكومة ولم يعد بها شرطة أو جيش أو أى قوة تحفظ أمنها واستقرار أهلها أو أى نظام يفرض هيبته على الناس، وعلى سبيل المثال لا الحصر على الصفحة الأولى فى صحيفة «الوطن» المصرية صباح الثلاثاء الماضى عنوان يقول: «أهالى قرية فى المنوفية يذبحون خمسة بلطجية» مع صورة لأحد البلطجية مذبوحا، وقصة الواقعة تبين ألا وجود للدولة أو الشرطة أو البوليس وإنما قرر السكان أن يأخذوا القانون بأيديهم بعدما غابت الدولة، فى نفس اليوم الذى وقعت فيه هذه الواقعة وهو يوم الاثنين الماضى كانت هناك معركة فى مدينة طنطا بين البلطجية بعضهم البعض استمرت ساعات طويلة من أجل أنابيب البوتاجاز، وكالعادة الشرطة غير موجودة وربما تأتى بعد انتهاء المعركة وبعد أن يأخذ كل طرف حقه وفق قانون البلطجة، وأخبرنى أحد رجال الأعمال أنه اضطر لعمل اتفاق مع البلطجية لحماية مصانعه بأسلحتهم مقابل مائة جنيه فى اليوم لكل منهم بعدما تعرضت المصانع لهجمات من بلطجية آخرين، ولم يجد بدا من أن يدخل فى تحالف مع بعض البلطجية لحماية مصالحه بعدما أصبحت الدولة غير موجودة. أما فى شوارع القاهرة فى نهار رمضان؛ حيث كان اللوءات والعمداء والعقداء يملأون الشوارع، الآن لا يوجد حتى عسكرى واحد فى كثير من التقاطعات فى قلب القاهرة، تاركين للناس أن يمارسوا البلطجة بأنفسهم فى الشوارع، لكن أكبر أشكال البلطجة وأكثرها مخاوفا هو البلطجة التى تمارَس ضد من يقومون بالعمل العام وخدمة والناس، وأخطرها البلطجة ضد الأطباء فى المستشفيات العامة، وقد نشرت «الوطن» أيضا تحقيقا على صفحة كاملة فى نفس اليوم عما يمارسه البلطجية من تهديدات للأطباء فى مستشفيات فى قلب القاهرة وليس فى الأماكن النائية؛ فالاستقبال فى مستشفى أم المصريين مغلق منذ شهرين بعدما تحول إلى ساحة معركة بين البلطجية، ومستشفى سيد جلال أكبر وأقدم مستشفيات وسط البلد الذى نقل إليه العشرات من شهداء الثورة والمئات من الجرحى مغلق منذ عشرة أيام احتجاجا على أعمال البلطجة التى تمارَس ضد الأطباء ولا أحد يحميهم؛ فالدولة غائبة، أما مستشفى الحسين الجامعى فالاعتداءات تتكرر كل يوم على الأطباء وحتى على المرضى، والعجيب أن هذا المستشفى الكبير لا يحرسه سوى أمين شرطة، لقد أصبح اعتياديا أن يجد الطبيب الذى يعالج الناس سلاحا مشهرا فى وجهه، سواء كان سلاحا أبيض أم مسدسات ومدير المستشفى يقول إن الشرطة العسكرية رفضت حمايتنا من البلطجية بحجة عدم وجود تعليمات بإطلاق الرصاص، إذن هناك تعليمات بترك البلطجية يسرحون ويمرحون ويدمرون الأمن والأستقرار. تقارير كثيرة تشير إلى أن مصر بها نصف مليون بلطجى، هؤلاء كانوا يتعيشون فى عهد مبارك على ما يُصرف لهم من رجال الأعمال الفاسدين أو ضباط المباحث الذين كانوا يستخدمونهم فى أمور كثيرة، هؤلاء الآن لديهم السلاح ولديهم الفراغ ولديهم الصحة والقوة، كثير منهم يعملون فى ظل تشكيلات عصابية، أو يعملون منفردين أو وفق مجموعات صغيرة، وضباط المباحث فى الأحياء لديهم معلومات تفصيلية عنهم لأنهم كانوا رجالهم وربما ما زالوا يعملون معهم، من ثم فنحن لسنا أمام معضلة صعبة، لكننا أمام خريطة واضحة المعالم بنسبة كبيرة، ويمكن التعامل معها، لا شك أن هناك من يمكن استقطابهم للعمل فى أمور جيدة وأن يتم إدماجهم فى المجتمع ليكونوا عناصر صالحة، وأعتقد أنهم الكثرة من هؤلاء، وهناك فئات ضالة لا يصلح معها إصلاح أو يجدى معها نفع، هؤلاء وهم القلة يمكن التعامل معهم وفق القانون.. إن نصف مليون بلطجى يملكون الصحة والفراغ لو أعد لهم مشروع لاستيعابهم فى المجتمع يمكن تشكيل قاطرة منهم ترفع الاقتصاد وتعيد بناء البلاد، بدلا من تركهم فى الشوارع يرازون الناس ويؤذون الكبير والصغير.. إننا فى ظل النظام الجديد فى مصر يجب أن نتجه دائما صوب البناء حتى مع البلطجية، فهل يتقدم أحد بمشروع لاستيعاب البلطجية وتحويلهم لقوة صالحة فى المجتمع؟

Total
0
Shares
السابق
عبد الإله بنكيران

عبد الإله بنكيران (1) : فلسفته فى مواجهة الفساد..وحقيقة ممتلكاته

التالي

لحية رئيس الحكومة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share