محمد المقريف العدو اللدود للقذافى رئيساً

وصلت إلى العاصمة الليبية طرابلس يوم الخميس الماضى 9 أغسطس، فى اليوم التالى الذى سلم فيه رئيس المجلس الوطنى الانتقالى الليبى مصطفى عبدالجليل السلطة إلى أكبر الأعضاء سنا فى المؤتمر الوطنى الليبى، أول مجلس برلمانى منتخب منذ أكثر من ثلاثة وأربعين عاما، وتناولت الإفطارفى نفس اليوم الذى وصلت فيه مع أربعة من أعضاء المؤتمر، وكان من الطبيعى أن يدور الحديث عن المؤتمر وتشكيلته وخيارات الشعب الليبى التى تراوحت بين الأطياف المختلفة؛ لكن الملفت فى الاختيار هو أن الإسلاميين فى ليبيا لم يحلوا أولاً كما حدث فى مصر وتونس والمغرب، ولكن الإسلاميين فى ليبيا حلوا فى المرتبة الثانية، بينما حل التحالف الليبرالى الواسع الذى يقوده الدكتور محمود جبريل فى المرتبة الأولى، وقد جاءت تشكيلة المؤتمر الوطنى العام الذى يتكون من مائتى عضو، منهم ثمانون تم اختيارهم بالقائمة ومائة وعشرون بالنظام الفردى ليلعب المستقلون فيه دورا يخضع للاستقطابات والتجاذبات وقد بدا ذلك واضحا فى جلستى اختيار رئيس المؤتمر، ففى الجلسة الأولى لم يحقق المرشح المدعوم من الإسلاميين الدكتور بشير السويحلى النسبة التى تؤهله لدخول الجولة الثانية من التصويت والتى انحصرت بين الدكتور محمد المقريف مرشح الجبهة الوطنية والدكتور على زيدان مرشح تحالف القوى الوطنية الذى يقوده الدكتور محمود جبريل، جلست أشاهد مساء الخميس الماضى جلسة اختيار رئيس المؤتمر الوطنى التى جرت بشفافية وبثت على الهواء مباشرة على شاشات التلفزة، ومثلت خطوة رائدة فى أول انتقال سلمى وسلس للسلطة ونقلة فى تحول ليبيا من الثورة إلى الدولة، حيث فاز الدكتور محمد المقريف رئيس حزب الجبهة الوطنية والعدو التاريخى اللدود لمعمر القذافى بمنصب رئيس المؤتمر، بعدما حصل على مائة وثلاثة عشر صوتا من مائتى صوت هم عدد الأعضاء المنتخبين، رأيت دموع المقريف حينما أعلن فوزه، والموقف يستحق الدموع بالفعل؛ لأن ما نراه فى ليبيا وتونس ومصر يستحق الدموع، الدموع من أجل الآلاف المؤلفة الذين ضحوا بأرواحهم من أجل هذه اللحظة التاريخية، لحظة زوال أنظمة ديكتاتورية مستبدة يقودها طغاة كاد بعضهم يقول: «أنا ربكم الأعلى»، ثم يأتى الله بالمشردين والمسجونين والمضطهدين والمستضعفين ليضع الملك بين أيديهم ويحقق فى أعين الناس ما ظنوا أنه يأس لن يتحقق، فنزع الله الملك من القذافى وآتاه إلى محمد المقريف أعدى أعدائه الذى ظل مشردا واحداً وثلاثين عاماً يقاوم القذافى حتى شعر باليأس، ثم جاء نصر الله وجاء ملكه على غير ترقب أو انتظار، والدكتور محمد المقريف لمن لا يعرف قصته، ولد فى بنغازى عام 1939، وكان متفوقا فى دراسته حيث تخرج بتقدير امتياز من كلية الاقتصاد والتجارة فى الجامعة الليبية عام 1962، وابتعث إلى بريطانيا وحصل على الدكتوراة من جامعة لندن فى المحاسبة والمالية، ثم عاد وعمل أستاذا جامعيا ثم مديرا لديوان المحاسبة فى ليبيا بدرجة وزير، ولما بدأ يحاصر الفساد ورجاله فى السلطة، أبعده القذافى سفيرا إلى الهند عام 1978، لكن الرجل أعلن من الهند فى العام 1980 انشقاقه على النظام وانضمامه للمعارضة، وكان أحد مؤسسى الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وانتخب أمينا عاما لها عدة مرات من العام 1983 وحتى العام 1995، وقد حاولت الجبهة اغتيال القذافى عدة مرات من بين أكثر من خمسين محاولة لاغتياله فشلت جميعها خلال سنوات حكمه، كما حاول القذافى اغتيال عدوه اللدود محمد يوسف المقريف عدة مرات، لكنها فشلت أيضا، وفى العام 2001 استقال المقريف من الأمانة العامة للجبهة التى ضعفت وضعف أداؤها فى الخارج وتفرغ للعمل الأكاديمى وألف عددا من الكتب عن ليبيا والنظام الليبى، وبعد اندلاع الثورة الليبية وتقدمها، عاد المقريف بعد واحد وثلاثين عاما من معارضة القذافى فى الخارج إلى ليبيا وأسس حزب الجبهة الوطنية الذى فاز بعدة مقاعد فى الانتخابات، ثم انتخبه أعضاء المؤتمر الوطنى رئيسا وألقوا عليه مسئولية قيادة ليبيا فى هذه المرحلة الصعبة، فهل يفلح المقريف فى أن يحقق لليبيين ما فشل القذافى فى تحقيقه؟ وهل يستطيع أن يقود ليبيا إلى بر الأمان وسط التحديات الكثيرة التى تحيط بها؟

Total
0
Shares
السابق

مسلمو بورما المنسيون

التالي

جلسة فى المؤتمر الوطنى الليبى

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share