جلسة فى المؤتمر الوطنى الليبى

ربما كنت الإعلامى العربى الوحيد الذى أتيحت له فرصة حضور جلسة كاملة من جلسات المؤتمر الوطنى الليبى المنتخب من قبل الشعب فى أول انتخابات برلمانية تجرى فى ليبيا منذ ما يقرب من خمسين عاما، حيث انتخب الشعب الليبى فى 7 يوليو الماضى مائتى عضو من أنحاء البلاد لفترة انتقالية مدتها عام ونصف العام يتم خلالها وضع دستور جديد للبلاد عبر هيئة تأسيسية وتشكل حكومة تقود البلاد إلى انتخابات تشريعية جديدة وفق الدستور الجديد. ما لفت نظرى هو أن المائتى عضو بمن فيهم رئيس المؤتمر الوطنى الدكتور محمد المقريف لم يمارسوا العمل البرلمانى من قبل وبدا التفاوت واضحا فى الأداء بين الأعضاء الذين جاء بعضهم من غياهب السجون إلى عضوية المؤتمر أو كان مهجرا خارج ليبيا أو يعيش داخل البلاد تحت قمع النظام الاستبدادى الذى أقامه معمر القذافى على مدى الثلاثة والأربعين عاما الماضية، فالخروج من قوقعة الديكتاتورية إلى فضاء الديمقراطية أمر ليس سهلا على الإطلاق حيث ينتقل الإنسان من النقيض إلى النقيض، من الخوف من الكلام إلى الجرأة بلاحدود فى أن يقول ما يريد دون رقيب أو حسيب، وكل واحد من هؤلاء له قصة أحيانا تكون مرعبة من هول ما عانى من النظام الديكتاتورى المستبد الذى رسخه القذافى طوال أكثر من أربعين عاما، بدا رئيس المجلس الدكتور محمد المقريف الذى تعرض لأكثر من عشر محاولات اغتيال من قبل القذافى فشلت جميعها، بدا يدير الجلسات بطول بال وصبر يحسد عليه، ويعطى الفرصة للنقاشات حتى تصل إلى مرحلة الملل حتى أنى غادرت الجلسة فى الثالثة فجرا ولم تكن قد انتهت بعد، ولأن الجلسات تنقل على الهواء مباشرة على شاشات التلفزة الليبية فقد بدا بعض الأعضاء وهم يريدون -كما رأيت من قبل فى مصر وتونس- أن يراهم ناخبوهم أو غيرهم من الشعب الليبى وهم يتبارون فى النقاشات التى كانت أحيانا مضحكة، وحينما أبديت ملاحظتى للدكتور المقريف حينما التقيته بعد ذلك قال: إن الممارسة جديدة علينا جميعا ويجب أن أصبر على الجميع لكن صبرى لن يطول، سأتعامل بحزم مع الأمور ولكن ليس فى بدايتها، ما زالت اللائحة الداخلية التى تنظم العلاقات وإدارة الجلسات لم توضع بعد، والأمر بحاجة إلى بعض الصبر، قلت له: العمل البرلمانى عمل يقوم على الاحتراف وكل الأعضاء لم يدربوا على كيفية إعداد طلبات الإحاطة أو الاستجوابات أو مشروعات القوانين أو غيرها من الأمور الأخرى الخاصة بالعمل البرلمانى، قال رئيس المؤتمر وهو رئيس ليبيا فى نفس الوقت: اليوم فقط التقيت مع أحد المسئولين فى الأمم المتحدة واتفقنا على برنامج تدريبى للأعضاء وسوف نبدؤه بعد العيد مباشرة. عدد أعضاء المؤتمر الوطنى الليبى مائتا عضو بينهم واحد وثلاثون سيدة أى ما يزيد على خمسة عشر فى المائة من الأعضاء وهى نسبة كبيرة فى مجتمع قبلى يضم مائة وأربعين قبيلة، والعجيب أنى وجدت العضوات فى المؤتمر الوطنى يحاولن منازعة الرجال فى كل شىء، نسبة الشباب أيضا فى المؤتمر ليست قليلة وأصغر عضو فى المؤتمر مهندسة كمبيوتر فى السابعة والعشرين من عمرها، هى علا فتحى السنوسى، وهناك عشرة أعضاء غيرها أقل من ثلاثين عاما، وهذا يظهر مكانة الشباب فى المؤتمر فى بلد لم يعرف البرلمانات منذ عام 1969، والمؤتمر الذى يعتبر أعلى سلطة فى البلاد عليه مسئوليات ومهام كبيرة وملفات ضخمة على رأسها ملف الأمن واستقلال القضاء وتنظيفه، ومحاربة الفساد المستشرى فى قطاعات الدولة وأركانها، واستعادة ثروات ليبيا المنهوبة أو المضيعة لاسيما أنه بعد كل السلب والنهب والسفه فى الإنفاق الذى تعرضت له البلاد فإن ليبيا لا تزال غنية بثرواتها ومواردها حيث تقدر موجوداتها فى المشروعات الاستثمارية فى الخارج بحوالى 50 إلى 60 مليار دولار، لقد بدأت ليبيا من خلال أول مجلس منتخب فى البلاد أولى خطواتها نحو الدولة المدنية والحرية لكن الطريق ما زال طويلا ويكفى أنه بدأ ولن يعود الليبيون للوراء.

Total
0
Shares
السابق

محمد المقريف العدو اللدود للقذافى رئيساً

التالي

القرارات الثورية للرئيس محمد مرسي

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share