مهمة سفراء مصر الجدد

روى لى الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، المفكر ووزير الإعلام والشباب المصرى الأسبق، أنه أثناء دراسته لدرجة الدكتوراه فى باريس فى منتصف الخمسينات من القرن الماضى نشط مع الطلبة الجزائريين الذين كانوا يعملون لصالح الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسى، وعلمت السلطات الفرنسية بنشاطه فأرسلت له وأبلغته أنه شخص غير مرغوب فيه وعليه أن يغادر الأراضى الفرنسية خلال ثمان وأربعين ساعة، لم يجد أبوالمجد مكاناً يلجأ إليه سوى السفارة المصرية فالتقى القنصل المصرى وروى له ما حدث، فما كان من القنصل إلا أن توجه للخارجية الفرنسية وأبلغهم أنه فى حالة طرد الطالب المصرى أحمد كمال أبوالمجد من باريس فإن مصر فى المقابل ستقوم بطرد عشرة من المقيمين الفرنسيين على أراضيها، رداً على هذه الخطوة، أُسقط فى يد الفرنسيين بسبب الرد المصرى الحاد والقاسى والسريع الذى وضع مكانة طالب مصرى بمقابل عشرة من الفرنسيين، وبعدما تدارسوا الأمر تراجعوا عن قرارهم وبقى أبوالمجد فى فرنسا وأكمل دراسته، هذه القصة تشير إلى المكانة التى كانت للإنسان المصرى قبل أن يتسلط العسكر على السلطة فى مصر ويذيقوا الشعب المصرى الهوان فى الداخل ويهينوا كرامته فى الخارج، لأنه بعد هذه الحادثة مباشرة بدأت عمليات القمع فى مصر وبدأ المصريون يهربون ويهاجرون من بلادهم، وكان آخر مكان يفكرون فى اللجوء إليه هو السفارات المصرية، لأن السفراء والقناصل تحولوا إلى جواسيس على الشعب يرصدون حركاتهم وثكناتهم ويحاربون المعارضين منهم، مما دفع عشرات الآلاف من المصريين إلى البحث عن جوازات وجنسيات دول أخرى بعدما كانت الدنيا كلها تبحث عن الجنسية المصرية وجواز السفر المصرى الذى كان يشكل حماية كبيرة لكل من يحمله، وشيئاً فشيئاً أصبح المصرى مهاناً فى كل مكان، لأن النظام الفاسد الذى حكم على مدار ستين عاماً كان يهين الإنسان المصرى فى الداخل، وكم من مظالم تعرض لها المصريون فى الأقطار المختلفة ولم يجدوا قنصلاً أو سفيراً يقف إلى جوارهم، حيث كان معظم السفراء ينالون مناصبهم كمكافآت، بينما القناصل كان معظمهم من جهاز أمن الدولة أو المخابرات العامة، وهذا يعكس عقلية النظام السابق فى التعامل مع المصريين فى الخارج، أما الآن وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير فإن الجميع يترقب دوراً آخر وجديداً للسفراء والقناصل المصريين فى الخارج، وأهم دور هو الحفاظ على مكانة الإنسان المصرى فى كل دولة هو فيها، فالثورة قامت حتى تعيد العزة والكرامة للإنسان المصرى، وهذا ينطبق عليه فى الداخل والخارج، فإذا كانت الحكومة فى الداخل هى المسئولة عن ذلك فإن السفراء فى الخارج هم المسئولون عن ذلك، لقد كان السفراء المصريون يعزلون أنفسهم فى أبراج عاجية، ويقضون فتراتهم دون أى إنجازات أو محاسبة، ولعل الاجتماع الذى عقده الرئيس المصرى محمد مرسى مع حوالى خمسة وثلاثين من السفراء المصريين الجدد فى الأسبوع الماضى قبيل ذهابهم لتولى مناصبهم فى الدول المختلفة، والذى يعتبر الأول من نوعه الذى يعقده رئيس مصرى مع هذا العدد من السفراء يعكس المرحلة الجديدة التى نأمل أن تكون عليها فى مصر فى مجال العلاقات الخارجية ودور السفراء، كما يجب أن يخضع كل سفير بعد ترشيحه إلى إجازة من مجلس النواب أو الشيوخ، حسب المسمى فى مشروع الدستور الجديد، وأن يخضع للمحاسبة على ما يقوم به، وأن يكون لدى كل سفير وكل قنصل مهام محددة يحاسب عليها، لقد أدى غياب المحاسبة طوال العقود الماضية إلى تحويل وزارة الخارجية المصرية إلى عزبة كبيرة مليئة بالسلبيات والفساد فى الوقت الذى يجب أن تعكس فيه وجه مصر الحضارى، وهناك تقارير كثيرة عن سفراء ليسوا أهلاً لتمثيل مصر فى الخارج، سواء فى سلوكياتهم العامة أو خبراتهم المحدودة أو كونهم أخذوا مناصبهم كمكافآت وليس عن جدارة، إن كل مصرى فى الخارج عليه أن يحصل على حقوقه كاملة باحترام وتقدير، وإذا قصر أى سفير أو قنصل عليه أن يحاسب، ويجب أن يدرك الجميع أن عصر الفساد قد انتهى وجاء عصر السيادة للمواطن المصرى فى داخل مصر وخارجها.

Total
0
Shares
السابق

حياة الحكام العرب الجدد

التالي

أصغر نائبتين فى ليبيا والمغرب

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share