الانتخابات التى لم نعُد نهتم بها

هذا العام هو عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى تجرى كل أربع سنوات والتى كان العرب يهتمون بها أكثر من اهتمام الشعب الأمريكى، حينما كانت واشنطن قِبلة الحكام العرب طوال العقود الماضية، ومنذ بداية عام الانتخابات الأمريكية وحتى نهايته كانت وسائل الإعلام العربية والمحللون والسياسيون وصناع القرار يعقدون المقارنات والتحليلات حول كل مرشح ومدى ميوله أو قربه وبُعده من اللوبى الصهيونى رغم أنهم جميعاً كانوا يأخذون مباركة اللوبى الصهيونى على ترشيحاتهم، إلا أن العرب الذين كانوا يحكمون من واشنطن كانوا يتابعون الأخبار عن الانتخابات بشغف وتوقعات وتحليلات لا تنتهى، وأذكر حجم الاهتمام الذى كان لدى كافة وسائل الإعلام العربية فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة التى جرت قبل أربع سنوات، حيث كان باراك أوباما أول أسود لأب مسلم يرشح فى الانتخابات، لكن هذه هى المرة الأولى التى لم تعُد الانتخابات الأمريكية تلقى اهتماماً من معظم الشعوب العربية أو حتى وسائل الإعلام مثلما كانت تجد من قبل، بل إنى أزعم أن الأمريكيين أصبحوا هم الأكثر اهتماماً بالانتخابات التى تجرى فى بلادنا الآن، حيث استعادت الشعوب العربية سيادتها وقرارها وأصبحت تختار من يحكمها، من ثم لم تعد بحاجة إلى أن تعرف من الذى يحكم الولايات المتحدة، لا سيما أن سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقتنا ثابتة عبر حكامها منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وقائمة على ركيزتين، هما النفط وأمن إسرائيل، واستخدام الدول العربية مزرعة لتحقيق المصالح الأمريكية والإسرائيلية. إن هذا التغير التاريخى فى انحسار الاهتمام العربى بالانتخابات الأمريكية، يعنى أننا أمام مرحلة جديدة فى رسم الخرائط السياسية العالمية، فمحور اهتمام العالم سوف يبدأ فى الانحسار عن الولايات المتحدة ليعود إلى قلب الدنيا من جديد حيث العالم العربى، مهد الرسالات، وأصل البشرية، لقد عاد المصريون والليبيون والتوانسة والمغاربة واليمنيون والسوريون والأردنيون وغيرهم يضعون اهتمامهم ببلادهم فى المحور الرئيسى، بينما أصبح خارجه يحتل المحور الثانى أو الثالث أو الرابع بعدما بقوا عقوداً لا يفكرون فى بلادهم، لأن كل شىء كان مسلوباً منهم حتى إراداتهم فى اختيار مَن يحكمهم، لكنهم حينما استردوا إرادتهم لم يعد يعنيهم سوى بلادهم ومصالحهم أولاً ثم المحيط العربى وبعده المحيط الدولى بما فيه الولايات المتحدة، بعدما بقيت لعقود هى الاهتمام الأول، لأن قرار بلادهم كان يصنع بها، أما الآن فإن القرار يصنع بيد الشعوب، وأصبحت الولايات المتحدة وإسرائيل هما اللتين تراقبان وترصدان وتخشيان من خيارات هذه الشعوب التى لا تضع المصلحة الأمريكية أو الإسرائيلية كما كان يضعها هؤلاء الحكام أولاً، من ثم فإن القرار العربى أصبح يصنع هنا ويؤثر دون شك على القرار الدولى، وإذا كان القرار الدولى ظل يُصنع فى الغرب طيلة العقود الماضية، فإن دائرة الزمان بدأت تدور، كما قال المؤرخ الأمريكى بول كيندى صاحب كتاب «نشوء وسقوط القوى العظمى» بعد الحادى عشر من سبتمبر 2011، حيث حطَّ النسر الأمريكى وبدأت الهيمنة الأمريكية على العالم تنحسر شيئاً فشيئاً، فهزمت أمريكا فى العراق وتعانى الويلات فى أفغانستان، بينما تسحب قواعدها وقواتها من أماكن أخرى من العالم فى بداية لعصر الانحسار الأمريكى، ورغم أن كافة القراءات كانت ترشح الصين والهند والاتحاد الأوروبى لخلافة الولايات المتحدة فإن ما حدث فى العالم العربى غيَّر كل التوقعات والقراءات، وأصبحت هناك قراءة أخرى لعالم جديد متعدد الأقطاب لا شك أن القطب العربى أو العربى الإسلامى سيلعب دوراً مهماً فيه خلال السنوات العشر القادمة، وهذا سيكون له تأثيره المباشر على سياسة الولايات المتحدة وكذلك على سياسة أوروبا وعلى سياسة الصين التى ستجد نفسها مضطرة لصناعة سياسة جديدة لا تغفل ما حدث فى العالم العربى من تغيرات، أما الانتخابات الأمريكية فيبدو أن القادمة بعد أربع سنوات لن يهتم أحد بها سوى الشعب الأمريكى نفسه الذى سيحاول أن يجد لنفسه فرصة للبقاء، وللولايات المتحدة أن تبقى كما هى بعيدة عن التفكك والذوبان الداخلى.

Total
0
Shares
السابق
عدنان سعد الدين

عدنان سعد الدين ج1 : نشأة الإخوان المسلمين فى سوريا.. وانعكاسات اغتيال حسن البنا .. وانقلاب حسني الزعيم

التالي

تفكيك نظام مبارك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share