تفكيك نظام مبارك

أصعب ما يمكن أن يقوم به حاكم جديد بعد ثورة شعب هو تفكيك النظام الفاسد السابق، لا سيما إذا بقيت أعمدة هذا النظام قائمة فى أركان الدولة، وهذا ما حدث فى مصر، فقد سقط رأس النظام حسنى مبارك فى 11 فبراير 2011، لكن كل أركان نظامه بقيت كما هى فى كل مفاصل وأركان الدولة تعمل ضد الثورة وتسعى لإفشالها، حتى إن مدير ديوانه زكريا عزمى بقى عدة أسابيع يذهب بانتظام إلى مكتبه فى القصر الجمهورى ويقوم بعملية فرم وتنظيف الآلاف المؤلفة من ملفات الفساد التى كانت تملأ أرفف المكاتب فى القصر الجمهورى، ويحول الأموال وينقل الأملاك بأسماء مَن يعرف ومن لا يعرف هو وغيره، إلى أن تم توقيفه بعدما أنجز مهمته، كما أن ضباط مباحث أمن الدولة بقوا كما هم فى مكاتبهم يقومون بعمليات الفرم والحرق لآلاف مؤلفة من ملفات الفساد والتنصت حتى سمح الجيش للشعب أن يدخل إلى مقرات هذه الأجهزة، بعدما أخذوا ما يتعلق بالقوات المسلحة ورجالها منها، فوجد الناس الملفات القذرة التى كانت تنفق عليها أموال الشعب من أجل التنصت والتجسس، بخلاف أكوام من الورق المفروم كانت واضحة فى المقر الرئيسى فى لاظوغلى، حيث مقر وزارة الداخلية، كما أن منظومة الفساد فى البنوك بقيت تعمل كما هى بعد الثورة تقوم بتحويل مليارات الشعب المصرى المنهوبة إلى الخارج فى عمليات معقدة يصعب استرادد الأموال معها، وبقى نظام مبارك فى المحليات يمارس كافة أشكال الفساد وبقى الشعب تحت وطأة استنزاف المنظومة الفاسدة المنتشرة فى كافة أركان الدولة طيلة أكثر من عام ونصف، وكان الجميع يعتقدون أن تفكيك النظام لن يتم قبل عشر سنوات، لأنه نظام متجذر فى كافة أركان الدولة وتم ترسيخه على مدار عقود، غير أن الرئيس محمد مرسى حينما ضرب ضربته الكبرى بإقالة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان فى 12 أغسطس الماضى الموافق ليلة القدر فى شهر رمضان المبارك، فكانت أول عملية تفكيك لأكبر رأسين من رءوس نظام مبارك، حيث اتضح أنهما نمور من ورق، وكان الأولى بهما أن يدركا أن دورهما قد انتهى بانتخاب الرئيس، لكن الطمع والجشع والغرور أعماهما، وأنساهما أنهما أصبحا مكروهين حتى داخل المؤسسة العسكرية التى كانت أول من ابتهج بإزاحتهما بعد عشرين عاماً قضاها المشير فى منصبه، ترهلت فيها المؤسسة العسكرية، وتأخر الجيش فى تسليحه وإعداده وجاهزيته لعشرات السنين، وبعد إزاحتهما تمت إزاحة ما يزيد على 70 رتبة عسكرية ممن تخطوا سنوات المعاش حتى تجرى الدماء فى عروق القوات المسلحة، وكلف وزير الدافاع الجديد عبدالفتاح السيسى أن يعيد بناء الجيش والقوات المسلحة بما يليق بمصر ومكانتها،، بعد ذلك بدأت عملية تفكيك رموز النظام فى باقى أركان الدولة، حيث اختفت الأصوات المرتفعة وأصبح كل منهم يبحث عن جحر يختبئ فيه بعدما ضرب الرأس الأكبر فأقيل بعض المحافظين، وتم استبدالهم فى مرحلة أولى من المقرر أن تتبعها خطوات أخرى بمحافظين جدد، كما تمت إقالة بعض القيادات الفاسدة فى بعض أركان الدولة واستبدالها بغيرها، ومن التغييرات اللافتة أن وزارة الأوقاف كانت مستنقع فساد، لا سيما من القيادات الأساسية بها، فإذا بوزير الأوقاف يعصف بها عصفة واحدة وسط ابتهاج كبير داخل الوزارة، ونفس الابتهاج حدث فى الجهاز المركزى للمحاسبات، حينما عين الرئيس قيمة قضائية هو المستشار هشام جنينة، أحد قضاة تيار الاستقلال، رئيساً له، ونفس الأمر حدث فى الرقابة الإدارية التى أقيل رئيسها بعدما فتحت ملفات فساده وحولت للنيابة، والدور قادم على كل أركان النظام المتضعضع الذى سيقاوم دون شك، لكنها مقاومة المهزوم، فالشعب سئم من الفساد، ونفوس المصريين بطبعها تميل للخير وإلى القيم الإنسانية الراقية من الرجولة والمروءة والشهامة وحب الخير، وهذه صفات لو توافرت فى شعب فسوف يكون فى الصدارة، أما القشرة الصدئة التى علت نفوس المصريين فإنها سرعان ما تتلاشى ويظهر المعدن النفيس للشعب ولا يمكث فى الأرض إلا ما ينفع الناس، أما مبارك ونظامه ورجالة فإلى مزبلة التاريخ.

Total
0
Shares
السابق

الانتخابات التى لم نعُد نهتم بها

التالي

مأساة عجول أستراليا فى مصر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share