وزراء العدل المصريين

خلال انتظارى لموعدى مع المستشار أحمد مكى وزير العدل المصرى، دخلت قاعة الاجتماعات الملحقة بمكتب الوزير فوجدتها مثل كل الوزارات والمؤسسات الحكومية الكبرى فى مصر تضم أسماء وصور الوزراء السابقين والمدد التى قضوها فى الوزارة، وكانت الملاحظة الأولى لى أن جمال عبدالناصر قام بمحو تاريخ وزارة العدل فى مصر قبل انقلابه العسكرى فى العام 1952، وكأن وزارة العدل لم يكن لها وجود قبل ذلك، حيث كان النظام البرلمانى المصرى فى عهد الملكية من أبرز النظم الديمقراطية المتقدمة فى العالم، وكان رجال القانون المصريين من ألمع رجال القانون فى العالم رغم كل المثالب التى كانت تصاحب النظام السياسى آنذاك، وبدا من اللحظة الأولى لاختيار الوزراء أن وزارة العدل من الوزارات السيادية فى دول العالم الثالث بل وفى العالم الأول أيضا، فهى من أهم الوزارات، لاسيما عند الحكام الذين يتدخلون فى القضاء وأحكامه، لذا كان رؤساء مصر فى عهد العسكر يختارون وزراء العدل بعناية ومن الموالين لهم تماما مثلما يختارون وزراء الدفاع والداخلية والإعلام. وأذكر وأنا أتابع المرحلة الانتقالية للثورة المصرية حينما اختطف العسكر الثورة قبل أن يقيلهم الرئيس مرسى، أن المجلس العسكرى حاول أن يفاوض الإخوان المسلمين فى فترة من الفترات بعد الانتخابات التشريعية وعرض عليهم أن يشكلوا الحكومة على أن يعين العسكر أحد عشر وزيرا فى الوزارة بينهم وزير العدل، مما يدل على أهمية منصب وزير العدل والدور الذى يقوم به لترسيخ النظام الاستبدادى. وإذا راجعنا وزراء العدل فى عهود عبدالناصر والسادات ومبارك نجد معظمهم كانوا خدما للنظام، والشخصيات التى حافظت على نفسها وسمعتها المستقلة كانت قليلة للغاية. جلست أتأمل الصور والأسماء والمدد التى قضوها فى الوزارة وكيف أن معظمهم كانوا خداما لدى الحاكم، وقلت فى نفسى كم ارتكبت مظالم باسم العدل من وزراء العدل هؤلاء! من حيث العدد بلغ عدد وزراء العدل من 1952 وحتى تعيين أحمد مكى فى شهر يوليو الماضى 24 وزيرا، كان أول وزير للعدل بعد انقلاب يوليو 1952 محمد على رشدى وبقى فى منصبه 45 يوما فقد عين فى 23 يوليو 1952 وأقيل فى 6 سبتمبر 1952، ولعله من أقصر وزراء العدل خلال الستين عاما التى سيطر فيها العسكر على السلطة، تبعه واحد من أطول وزراء العدل من حيث المدة وهو أحمد حسنى، حيث بقى وزيرا للعدل من 7 سبتمبر 1952 وحتى 15 أغسطس 1961، وبعد أحمد حسنى جاء واحد من أقصر وزراء العدل فى المدة، وكان ذلك خلال سنوات الوحدة بين مصر وسوريا، نهاد القاسم وكان سورياً وتولى وزارة العدل من 16 أغسطس 1961 وحتى 10 أكتوبر 1961، واللافت هنا أن الوزير الذى كان قبل أحمد حسنى قضى 45 يوما والذى بعده قضى 55 يوما، أما هو فقد قضى 9 سنوات. أما الوزير الذى تمت فى عهده مذبحة القضاة فى 30 مارس 1969 فقد كان محمد أبونصير، حيث فصل فيها عدد من خيرة قضاة مصر فى عهد جمال عبدالناصر الذى رسخ الديكتاتورية والفساد والاستبداد وحارب القضاة المستقلين. ومن المفارقات أنى وجدت أحد الوزراء تولى وزارة العدل مرتين هو ممدوح عطية؛ الأولى كانت من 9 مايو 1978 وحتى 3 أكتوبر 1978، والثانية من 1 سبتمبر 1982 وحتى 12 أكتوبر 1987، وكنت أعتقد أن أحمد حسنى هو الأطول مدة بين أقصر وزيرين لكنى وجدت فاروق سيف النصر هو أكثر وزراء العدل بقاء فى منصبه، فقد تولى منصبه من 13 أكتوبر 1987 وحتى 12 يوليو 2004. أما بعد الثورة فقد جاء ثلاثة وزراء عدل، حيث بقى ممدوح مرعى وزيرا للعدل بعد الثورة رغم أن مبارك عينه فى 27 أغسطس 2006، لكنه أقيل فى 6 مارس 2011، وجاء بعده المستشار محمد عبدالعزيز الجندى وكان نائبا عاما سابقا فى الثمانينات وكان مشهودا له بالكفاءة والنزاهة، ثم جاء بعده عادل عبدالحميد عبدالله، ثم وزير العدل الحالى المستشار أحمد مكى مع حكومة هشام قنديل الذى تولى منصبه فى يوليو الماضى، ففى أى موقع سيضع مكى نفسه بين أسلافه؟

Total
0
Shares
السابق

مع وزير العدل أحمد مكي (2)

التالي

بين البلطجية والثوار

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share