بين البلطجية والثوار

أذكر فى أيام الثورة المصرية الأولى حينما كان يحتشد الملايين فى ميدان التحرير، كانت هناك عند كل منصة طاولة خاصة بالأمانات، وحينما رأيت الطاولة أول مرة وقفت مذهولا وغير مصدق، فقد كانت تحوى عشرات من المحافظ الشخصية محشوة بالأموال ومئات الهويات وهواتف الموبايل والمفاتيح، ومبالغ نقدية، وأخبرنى الأخ الذى كان أمينا لهذه الطاولة أن هذا ما كان ليحدث إلا فى ظل الثورة، فرغم أن الموجودين فى ميدان التحرير كانوا يزيدون على المليون فى كثير من الأحيان فإن الميدان فى معظمه كان من أصفياء الناس فى ذلك الوقت، وكان البلطجية يخشون من الاقتراب من الميدان، وإذا اقتربوا سرعان ما يُكشفون وكان ينهال عليهم الناس بالضرب حتى يدموهم؛ لذا كان دخول أى بلطجى للميدان مغامرة مميتة، وكان كل من يفقد حافظة أو موبايل أو هوية أو مالا يعطى أمارته ويستطيع أن يجده عند طاولة الأمانات، لكن حينما بدأت المليونيات التى بعد الثورة وبدأت الأيدى الخبيثة تلعب وترسل البلطجية واللصوص للميدان.. بدأ الدخن يظهر، وبدأت المحافظ تُسرق، والموبايلات، وبدأ كل منا يتحسس جيبه بعدما كان يشعر بالأمان التام فى الميدان أيام الثورة الأولى، وأذكر أنى سُرق هاتفى من جيبى وأنا على المنصة فى إحدى المليونيات رغم الأمن الذى كان يفرض حولها، ثم فوجئت بالدكتور محمد فؤاد جاد الله يقول لى إن هاتفه سرق منه فى مليونية أخرى، ثم بدأ البلطجية يدخلون على خط الثوار، ووصل الأمر إلى حرق المتحف العلمى وإلى قتل كثير من الثوار مثل الشيخ عماد عفت، رحمه الله، الذى أكدت مصادر كثيرة أنه قُتل من على مسافة قريبة، وكان للبلطجية حضورهم الطاغى فى كثير من المواقف التى كان حماس الشباب الثوريين فيها عاليا مثل أحداث شارع محمد محمود والسفارة الإسرائيلية ومظاهرات الإذاعة والتليفزيون وغيرها، وبدأ ذوو الرأى والعقلاء من الثوار يبتعدون عن هذه الأماكن؛ حيث كان يُستدرج المتحمسون ويشعل البلطجية النيران، وقد أكدت تقارير كثيرة وقوف البلطجية وراء حرق المتحف العلمى، واعترف كثير من البلطجية على شاشات التلفزة أنهم كانوا يأخذون الأموال مقابل المشاركة فى كثير من الفعاليات، ولأنهم عاطلون فقد كانوا يوجدون بشكل دائم، وأذكر أنى شاركت الدكتور محمد فؤاد جاد الله وبعض شباب الثورة محاولة لفض اعتصام فى ميدان التحرير فى شهر أبريل من العام 2011 وحينما ذهبنا للتفاوض مع الذين يغلقون الميدان اكتشفنا أنهم بلطجية، ولما وجدنا كثيرا من الناس غاضبين لغلق الميدان حرضنا الناس على إزالة الحواجز وفتح الميدان، وخلال ربع ساعة أزلنا الحواجز، بعدما دخلنا فى اشتباكات معهم فوجئت بأن البلطجية بدأوا يهتفون لحسنى مبارك فى قلب ميدان التحرير فى شهر أبريل وبعد خلع مبارك بشهرين، وتم تصويرهم وبُثت على قناة الجزيرة وقنوات أخرى، ومرة أخرى اتصل بى الدكتور محمد فؤاد جاد الله فى شهر أغسطس الماضى 2011 وقال: نحن مجتمعون فى مسجد عمر مكرم لو تلحق بنا؛ حيث نحاول أن نفض بعض الاعتصامات فى ميدان التحرير حتى يفتح الميدان، فذهبت وكان هناك تجمع من حركة 6 أبريل وائتلاف شباب الثورة وغيرهما، وأكد الحضور أن من فى الميدان ليسوا جميعا من الثوار، بل إن البلطجية والمشبوهين يحركون المشهد، وأخبرنى أحمد عبدالجواد، من ائتلاف شباب الثورة، قائلا: نحن نخشى أن نترك الميدان فيسيطروا عليه، تذكرت هذه الأحداث بعدما علمت أن الدكتور سيف الدين عبدالفتاح، مستشار رئيس الجمهورية، حينما ذهب للتفاوض بصحبة الدكتور محمد فؤاد جاد الله مع المتظاهرين عند السفارة الأمريكية بسبب الفيلم المسىء للرسول سُرق هاتفه النقال، ثم أبلغنى الزميل عبدالفتاح فايد، مدير مكتب الجزيرة فى القاهرة، أنه حينما ذهب للتغطية سُرقت حافظته وأمواله، وإذا نظرنا لكثير ممن ظهروا على التليفزيون نجد وجوه بلطجية وتصريحات بلطجية، للأسف يقوم البلطجية الآن باختراق كل تجمع أو مسيرة أو إضراب أو مظاهرة ويسيطرون عليها فيسيئون للوجه الحضارى للثورة، وهذا أمر يستدعى منا وقفة، لاستعادة الوجه الحضارى للثورة، فهل يعى الثوار ذلك حتى لا يختطف البلطجية المشهد والثورة؟

Total
0
Shares
السابق

وزراء العدل المصريين

التالي
عدنان سعد الدين

عدنان سعد الدين ج3 : مذبحة حماة الأولى..وصول الأسد للحكم..والصراع الداخلي بين الإخوان

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share