أردوغان يمهد للرئاسة

حينما التقيت فى شهر أبريل الماضى فى العاصمة التركية أنقره مع البروفيسور نعمان كورتولموش، رئيس حزب صوت الشعب التركى، فى مقر الحزب لمدة ساعتين، شرح لى برؤية نقدية حقيقة الوضع الاقتصادى فى تركيا. فالرجل الذى ينحدر هو ورئيس الوزراء التركى رجب الطيب أردوغان من حزب واحد، هو حزب السلامة الذى أسسه نجم الدين أربكان، كان فى ذلك الوقت على خلاف مع أردوغان، لكن مرافقى أكد لى أنه فى ذلك الوقت، أى قبل ستة أشهر تقريبا، كانت تجرى مفاوضات سرية بين كل من أردوغان وكورتولموش من أجل دمج حزب صوت الشعب مع حزب العدالة والتنمية، رغم أن حزب صوت الشعب من الأحزاب الصغيرة التى لم تتمكن حتى من الحصول على نسبة 1% من أصوات الناخبين فى الانتخابات البرلمانية الماضية، وهذا يعنى أنه ليس له أى ممثل فى البرلمان. لكن قوة الحزب الوحيدة ربما تكون فى زعيمه كورتولموش الذى يرى كثير من المراقبين أن أردوغان يهدف من وراء ضمه إلى حزبه أن يجعله خليفته المقبل فى رئاسة الحكومة، حيث ينوى أردوغان أن يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة فى العام 2014، بعدما يغير الدستور إلى نظام رئاسى أو شبه رئاسى يعطى رئيس الجمهورية صلاحيات كبيرة ينتزعها من منصب رئيس الحكومة. لم أتوقف عن متابعة مسيرة المفاوضات بين أردوغان وكورتولموش، وفى شهر أغسطس الماضى التقيت فى العاصمة المغربية الرباط مع أحد قادة حزب صوت الشعب الذين حضروا لقائى مع كورتولموش، وأكد لى أن الاندماج سيعلن خلال أسابيع، وبالفعل عقد اجتماع حزبى حاشد فى قاعة احتفالات خليج البوسفور فى العاصمة التاريخية إسطنبول يوم السبت الماضى 22 سبتمبر، حيث قام رئيس الوزراء التركى رجب الطيب أردوغان بالترحيب بنعمان كورتولموش رئيس حزب صوت الشعب و222 آخرين من قيادات الحزب الذين أعلنوا عن حل حزبهم والانضمام إلى حزب العدالة والتنمية، ورحب أردوغان بكورتولموش وزملائه قائلا: «أقول لنعمان كورتولموش وزملائه: أهلا بكم فى بيتكم تحت مظلة حزب العدالة والتنمية، إن هذا اللقاء هو احتضان لأفرع الشجرة الواحدة، والالتقاء لأفرع دعوة تغذت من جذر واحد». وفى هذا إشارة واضحة إلى الحزب الرئيسى الذى أسسه أربكان والذى انقسم إلى عدة أقسام، حيث كان كورتولموش على رأس حزب الفضيلة حينما أعلن أردوغان وعبدالله جول انشقاقهم وتأسيس العدالة والتنمية، وظل إلى جوار أستاذه أربكان حتى اختلف مع رجال الحرس القديم فى الحزب وأسس حزب «صوت الشعب». ورغم أن صحيفة «حريت» التركية واسعة الانتشار ذكرت فى عددها الصادر يوم الخميس 20 سبتمبر نقلا عن كورتولموش قوله إنه لا يهدف من وراء الانضمام إلى الحصول على أى مناصب قيادية فى حزب العدالة والتنمية، فإن الصحيفة نفسها أشارت إلى أن كورتولموش ربما يكون خليفة أردوغان الذى سيرشح نفسه لرئاسة الحزب للمرة الأخيرة فى مؤتمر الحزب الذى سيعقد الأحد المقبل فى العاصمة التركية أنقره وسط حضور حاشد من ممثلين لـ160 دولة، وسوف يحدد هذا المؤتمر فى رأى كثير من المراقبين المستقبل السياسى لتركيا فى السنوات المقبلة فى ظل تمهيد أردوغان لتعديلات دستورية تتيح له الترشح لرئاسة الجمهورية، مع إعداد خليفة له خبرته الاقتصادية والقدرة على قيادة الحزب، وسط اعتراضات داخل حزب العدالة والتنمية قد تؤدى إلى انقسامات فيه إذا تم تقديم كورتولموش على كثير من قيادات الحزب التى ظلت حول أردوغان من البداية. لكن أردوغان الذى ينهج نهج سلاطين آل عثمان فى رأى المراقبين من حيث رغبته فى أن يترك بصمة مميزة فى تاريخ تركيا، والذى يدير الحزب بقبضة من حديد، لن يلتفت إلى كثير من الاعتراضات. ولعل التغييرات التى ينوى إجراءها فى العاصمة التاريخية إسطنبول من خلال تأسيس جسر ثالث ومطار جديد وبناء أكبر مسجد على أعلى هضبة تطل على المدينة، يراه البعض إسرافا ويراه آخرون بصمة تاريخية يريد أردوغان من خلالها أن يرسخ اسمه كما رسخها سلاطين آل عثمان من قبل، تؤكد أن أردوغان لن يكون زعيما عاديا لتركيا الحديثة. ولو نجح فى تعديل الدستور والوصول إلى الرئاسة فإنه لن يمحو تاريخ أتاتورك فحسب بل سيدخل التاريخ مجاورا لسلاطين عظماء مثل سليمان القانونى، ولكن دون حكايات عن حريم السلطان.

Total
0
Shares
السابق

الصندوق الأسود لجمال عبدالناصر 3

التالي

نهاية حكم الجنرالات فى تركيا

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share