الصندوق الأسود لجمال عبدالناصر 3

كتب المقال بتاريخ 26 سبتمبر 2012

قلت للسيد حسين الشافعى: أريد منك خدمة يا سعادة النائب؟ امتلأ وجهه بالجدية ونظر لى نظرته الحادة وقال لى: ماذا تريد يا أحمد؟ قلت له: أريد أن ألتقى مع سعادة النائب زكريا محيى الدين، وأنا أعرف أن بيته ملاصق لبيتك، وأنك من القلائل الذين يرتبطون بعلاقة جيدة معه، وأريد أن تتاح لى الفرصة لتسجيل مذكراته فى برنامج «شاهد على العصر» كما سجلت معك، فالرجل كنز من الأسرار وتولى مناصب حساسة وهامة خلال سنوات عبدالناصر، ونريد أن يكشف ويقدم للشعب المصرى وللشعوب العربية بعضاً من فصولها، ظل النائب ينظر لى بصمت مثلما كان يفعل حينما أفتح معه موضوعاً حساساً، وأطرق يفكر ثم قال لى: سألتقى معه وأعرض عليه الأمر، قلت له: أخبره أنى فقط أريد أن أشرب فنجاناً من القهوة معه، ودع لى مهمة إقناعه بتسجيل شهادته، لأنى أعتقد أنه سوف يعترض مثلك فى البداية، ولذلك أرجو أن تترك لى مهارة إقناعه، ضحك النائب ثم قال لى: ستقنعه كما أقنعتنى أيها الشرير، قلت له سأحاول؟ قال وهو ينظر بعيداً، أشك فى أن تقنعه وأشك فى أن يتكلم، لكنى على أى الأحوال سأعرض عليه الأمر وسأبلغك بالنتيجة. فى زيارتى التالية ذهبت للنائب وتحدثنا فى أمور كثيرة وعمدت ألا أفتح قصة النائب زكريا محيى الدين حتى يفاتحنى هو أدباً منى، وكذلك حتى يأخذ فرصته، لكنه فاتحنى فى الأمر وقال لى: أنا كلمت سعادة النائب زكريا واعتذر، قلت له: ولا حتى فنجان قهوة؟ قال لى: ولا قهوة ولا شاى، صمت قليلاً ثم قلت له: خلينا نتجاوز القهوة وندخل معاه فى صلب الموضوع، صمت الشافعى طويلاً ثم قال لى: لا أعتقد أنه سيقبل، قلت له: لماذا؟ صمت مرة أخرى ثم قال لى: عن أى شىء تريده أن يتحدث معك يا بنى؟ لقد كان زكريا صندوق عبدالناصر الأسود، كان رئيساً لجهاز المخابرات الحربية بعد الثورة ثم وزيراً للداخلية، وهو الذى أسس جهاز المخابرات العامة عام 1954، وبعد ذلك أصبح وزيراً للداخلية فى عهد الوحدة بين مصر وسوريا، ثم وزيراً للداخلية مرة أخرى بعد الانفصال ثم رئيساً للوزراء عام 1965، ونائباً لرئيس الجمهورية وكنت نائباً ثانياً معه، وقبيل حرب عام 1967 أرسله عبدالناصر إلى الولايات المتحدة للتفاوض قبل الحرب، لكن الحرب قامت وهو فى المغرب فعاد من الطريق، وحينما أراد عبدالناصر أن يتنحى بعد الثورة اختاره ليقدمه للشعب رئيساً بديلاً، بعدها شعر زكريا أنه احترق فاعتزل الحياة السياسية ولزم الصمت إلى الآن. سكت الشافعى قليلاً وأنا أنصت ثم قال لى: عن أى شىء تريده أن يتكلم إن الأسرار التى لديه هى أسرار فترة حكم عبدالناصر بكل ما فيها من أشياء لا يعرفها الناس، وإن زكريا وأمثاله يموتون ومعهم أسرارهم فلا تحاول معه لأنه لن يتكلم. وبالفعل لم يتكلم زكريا محيى الدين وبقى صامتاً منذ أن اعتزل الحياة السياسية عام 1968 حتى وفاته عن عمر ناهز 94 عاماً فى 15 مايو الماضى 2012، لكن على سبيل المثال لا الحصر كل ما يتعلق بالعلاقة السرية بين عبدالناصر والولايات المتحدة رتبت عبر زكريا محيى الدين، وحينما أسس المخابرات العامة أخذ كثيراً من بنية وتدريبات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سى آى إيه» وحينما كان وزيراً للداخلية تم حياكة وترتيب كل المؤامرات والمحاكمات والإعدامات والملاحقات التى جرت لمعارضى عبدالناصر داخل مصر وخارجها، سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو الشيوعيين أو حتى الناس العاديين، وإن أمثال زكريا فى الأنظمة يكونون صناديق سوداء للأنظمة ومن حملة الملفات السوداء، يحملونها ويموتون ومعهم أسرارها، لقد عاش زكريا محيى الدين عمراً مديداً ورحل ومعه الكثير من الأسرار التى لم ولن يعرفها أحد عن عبدالناصر وعهده، فقد كان زكريا محيى الدين هو الصندوق الأسود لجمال عبدالناصر.

Total
0
Shares
السابق

الصندوق الأسود لجمال عبدالناصر 2

التالي

أردوغان يمهد للرئاسة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share