الشرق الأوسط الجديد (1-4)

أحمد داود أوغلو

رغم أن المنطقة العربية تقع جغرافياً فى قلب الدنيا فإنها تسمى جغرافياً منطقة الشرق الأوسط، وقد ظهر هذا المصطلح للمرة الأولى على يد البريطانيين فى بداية القرن الماضى؛ حيث تشير المصادر المختلفة إلى أن الضابط فى البحرية البريطانية ألفريد ماهان هو أول من كتب عنه فى تقرير نشره فى الأول من سبتمبر عام 1902 ثم استخدمه من بعده مراسل صحيفة «التايمز» البريطانية فالنتاين شيرول فى أكتوبر عام 1902 ثم فى سلسلة مقالات تحت عنوان «المسألة الشرق أوسطية» فى عام 1903، ثم أصدر وزير المستعمرات البريطانى كامبل بنرمان تقريرا فى عام 1907 أطلق فيه المصطلح على المنطقة العربية التى تتميز بوحدة اللغة والثقافة والدين والتاريخ والتراث، لكن مصادر أخرى تشير إلى أن زعيم الحركة الصهيونية تيودر هيرتزل هو أول من روّج للمصطلح فى المؤتمر اليهودى الأول الذى عُقد فى مدينة بازل السويسرية فى عام 1897، وقد استخدمه الأمريكيون بعد الحرب العالمية الثانية حينما ورثوا مواقع أقدام الإمبراطورية البريطانية، وقد تطور المصطلح حتى عرفته الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى عام 1989 بأنه المنطقة الواقعة من ليبيا غربا وحتى إيران شرقا ومن سوريا شمالا إلى اليمن جنوبا، لكن مصادر أخرى تعتبر منطقة الشرق الأوسط تضم كل الدول العربية مع إيران وتركيا، وقد سعى الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز فى عام 1990 بعدما وقعت إسرائيل معاهدات للتسوية مع بعض الأنظمة العربية إلى إصدار كتابه «الشرق الأوسط الجديد» الذى تخيل فيه الشكل الجديد للشرق الأوسط الذى تقوده إسرائيل باعتبارها -على حد زعمه- أقدم الديمقراطيات فى المنطقة.

وأخذ بيريز يصول ويجول فى أحلامه حول الشرق الأوسط الجديد، لكن أحلامه سرعان ما انهارت وبقى المصطلح الذى هو مصطلح استعمارى بريطانى بالدرجة الأولى لا يعكس حقيقة الموقع الجغرافى للمنطقة من خريطة العالم، وإنما الموقع الجغرافى من بريطانيا والولايات المتحدة من بعدها، ثم من المنظمات الدولية التى أسستها الدول الغربية مثل الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وأصبح يُستخدم من الجميع، كل وفق مفهومه، وسيبقى كذلك محددا أحيانا وهلاميا أحيانا أخرى ويتسع ويضيق حسب الذى يطلقه ويستخدمه، حتى تستعيد الدول العربية والإسلامية قوتها وهيبتها وتعيد صناعة الحاضر الذى يصنع كل شىء ومنه صناعة المصطلحات وتسويقها كيفما شاءت، وعلى رأس المصطلحات تلك التى تراها مناسبة لنفسها وللعالم.

وفى الحوار الذى أجريته معه فى الأسبوع الماضى، تحدث مهندس السياسة الخارجية التركية والمخطط الرئيسى لها البروفيسور أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية، عن ولادة «شرق أوسط جديد» بملامح تركية مصرية هذه المرة، من المقرر أن يضم دول الربيع العربى وحتى المغرب وكذلك دول الخليج العربى، وهذا الحلم التركى حلم قديم فكر فيه قبل أوغلو مؤسس الحركة الأسلامية فى تركيا الحديثة نجم الدين أربكان، رئيس الوزراء الأسبق مؤسس حزب السلامة الذى حظر وغير اسمه عدة مرات وتفرع منه حزب العدالة والتنمية الحاكم الحالى، لكن فكرة أربكان كانت تقوم على إنشاء قوة من الدول الإسلامية الكبرى تواجه قوة الدول الغربية السبع الكبرى وأطلق أربكان على منظومته مصطلح D8، وحينما تولى رئاسة الحكومة بالفعل فى عام 1997 سعى لتحقيق هذا الحلم الذى وضعه فى كتاب كبير باللغة الإنجليزية أهدى منه نسخة لى فى أحد لقاءاتى معه فى عام 2002، وبالفعل دعا أربكان كلا من مصر وإيران وباكستان والسعودية ونيجيريا وإندونيسيا وماليزيا، علاوة على تركيا، لتشكل القوة الإسلامية للدول الثمانى الكبرى وعقد أكثر من اجتماع لها، لكن ارتباط معظم هذه الدول بالسياسة الخارجية الأمريكية آنذاك جعلها تعرقل المشروع والفكرة ولم يعقد سوى اجتماعين تقريبا ثم وقع الانقلاب على أربكان وبقيت فكرة الدول الإسلامية الثمانى الكبرى حلما بين دفتى الكتاب الذى وضعه أربكان مع الخبراء الاقتصاديين من حزبه آنذاك، وقد توفى نجم الدين أربكان فى 27 فبراير من عام 2011 بينما كانت الثورات العربية تأخذ طريقها لتغير الخرائط السياسية وربما الجغرافية من بعد وتفتح المجال للخطوة الأولى لتحقيق حلم أربكان الذى حمله من بعده بعض تلامذته مثل رجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو.. نكمل غدا.

(2)

قامت السياسة الخارجية التركية على ست مبادئ: أهمها «التوازن بين الحرية والأمن» والثانى «تصفير المشكلات مع الجيران»

حينما التقيت وزير الخارجية التركى أحمد داود أغلو للمرة الأولى كان ذلك قبل عشر سنوات فى عام 2002 وكان آنذاك كبير المستشارين لرجب طيب أردوغان كما كان كتابه «العمق الاستراتيجى» يعتبر خريطة الطريق فى السياسة الخارجية التركية، وحينما سألته عن ذلك آنذاك قال بلغة الواثق: «هم ما زالوا فى الصفحة الأولى» حيث قامت السياسة الخارجية التركية على ست مبادئ: أهمها «التوازن بين الحرية والأمن» والثانى «تصفير المشكلات مع الجيران» والتكامل الاقتصادى إلى أقصى حد، علاوة على إقامة علاقات استراتيجية وتحالفات إقليمية مع دول المنطقة، وقد ألغت تركيا بينها وبين كثير من جيرانها تأشيرات الدخول وعمقت العلاقات الاقتصادية، ومدت تركيا نفوذها إلى معظم دول العالم، وقد نجحت إلى حد كبير فى حل كثير من المشكلات مع جيرانها، غير أن «أوغلو» قال فى الحوار معه الأسبوع الماضى، حينما أكدت له استمرار وجود بعض المشكلات مع دول الجوار: «حتى داخل البيت الواحد لا يمكن للعلاقات أن تكون صفراً، هناك مشاكل بين الإخوة، لذلك فإننا نجحنا فى حل معظم المشكلات الكبرى لكن من المستحيل أن نصل إلى درجة الصفر»، المبدأ الثالث: أن تقوم تركيا بسياسة خارجية نشطة، أما المبدأ الرابع فهو انفتاح تركيا على مناطق جديدة، وقد فتحت تركيا أكثر من ثلاثين سفارة خلال آخر ثلاث سنوات، منها 23 فى أفريقيا و5 فى أمريكا اللاتينية و2 فى آسيا، وتعتبر تركيا الآن واحدة من الدول العشر الأكثر تمثيلاً فى العالم، والمبدأ الخامس هو «نشاط تركيا فى المنظمات الدولية» وقد أصبح لتركيا تمثيل فى كل المنظمات الدولية والإقليمية، المبدأ السادس هو عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، ومع مرونة هذه المبادئ فقد أدت الثورات فى دول «الربيع العربى» إلى أن تقوم تركيا بإعادة النظر فى سياستها الخارجية بما يناسب الأنظمة والأوضاع الجديدة، وقد كان رجب طيب أردوغان أول من دعا الرئيس المصرى المخلوع مبارك إلى أن يتنحى ويستجيب لرغبة الشعب، لأنه رغم كل ما حققته تركيا من نجاحات فى سياستها الخارجية خلال السنوات العشر الماضية فإن عينها كانت على مصر، فمصر كما قال دواد أوغلو هى «مخ العرب وعقل العالم العربى، كثير من الأفكار والتيارات يتم تشكيلها فى مصر وهى دولة تعكس ديناميكية العالم العربى وعندما تكون مصر قوية فإنها ستحل الكثير من المشاكل، وإن تضافرت جهود مصر وتركيا فإنهما سيشكلان مركز ثقل قوياً فيما يخص القضية الفلسطينية، وكذلك إعادة بناء الدول العربية الأخرى».

هذه النظرة إلى مصر جعلت تركيا تعيد صياغة سياستها الخارجية بناء على الواقع الجديد فى العالم العربى، فقد قامت الثورات وسقطت الأنظمة فى أربع دول عربية هى مصر وليبيا وتونس واليمن، وقامت دول بتغيير دساتيرها بما يستجيب ولو جزئياً لمطالب الشعوب مثل المغرب، لكن مصر هى الأقرب تاريخياً وجغرافياً وسياسياً لتركيا لا سيما بعد انتخاب محمد مرسى رئيساً لمصر حيث يعتبر «الإخوان المسلمون» الذى ينتمى إليهم مرسى أقرب فكرياً إلى حزب العدالة والتنمية التركى الحاكم الذى ينتمى إليه أردوغان، وقد قام وزير الخارجية أحمد داود أوغلو بعدة زيارات إلى مصر التقى خلالها الرئيس مرسى، كما قام مرسى بزيارة إلى أنقرة والتقى أردوغان والرئيس عبدالله جل، وتم توقيع الاتفاق الذى سبق وأن أعلن عنه أوغلو فى القاهرة والذى يقضى بمنح القاهرة قرضاً مقداره مليارا دولار، مليار نقداً لدعم خطط الحكومة المصرية لمواجهة التحديات والعوائق الاقتصادية والمليار الآخر يكون على شكل مشروعات اقتصادية تدفع عجلة التنمية فى مصر، لكن الخطوة الأهم هى تأسيس «المجلس الاستراتيجى الأعلى» بين تركيا ومصر، حيث من المقرر أن يجتمع رئيس الحكومة التركية مع مجلس وزرائه المصغر مع الرئيس المصرى محمد مرسى مع مجلس الوزراء المصغر فى القاهرة فى العشرين من نوفمبر القادم لإعلان ولادة «المجلس الاستراتيجى الأعلى» بين البلدين لوضع نواة الشرق الأوسط الجديد الذى يصنع لأول مرة بأيدى أبناء المنطقة دون تدخل من الدول الاستعمارية الغربية التى ستجد نفسها لأول مرة منذ أكثر من مائة عام خارج منظومة الشرق الأوسط الذى سيصنعه أبناؤه، سألت وزير الخارجية التركى عن معالم الشرق الأوسط الجديد.. «الإجابة غداً».

(3)

حينما سألت وزير الخارجية التركى عن معالم الشرق الأوسط الجديد الذى تسعى مصر وتركيا لإعادة بنائه وتشكيله من جديد، الذى من المقرر أن يتم الإعلان عن ولادته فى القاهرة فى العشرين من أكتوبر القادم على يد الرئيس المصرى محمد مرسى، ورئيس الحكومة التركية رجب الطيب أردوغان، قال داوود أوغلو: «إن منطقة الشرق الأوسط هى الأغنى عالمياً فى المصادر الطبيعية، وهى الأكثر تجذراً فى التاريخ، كما أن التراكم التاريخى للإنسانية معظمه فى منطقة الشرق الأوسط، أما السكان الأكثر ديناميكية والأصغر سناً فى العالم فإنهم يوجدون فى منطقة الشرق الأوسط، وهذا يدفعنا لسؤال هام وهو: مع هذه الإمكانات الهائلة لماذا لا توجد دولة من دول الشرق الأوسط فى مصاف الدول العشر الأفضل اقتصادياً فى العالم؟ ولماذا لا توجد دولة من دول المنطقة من بين الدول العشرين الأفضل اقتصادياً فى العالم عدا تركيا؟ إننا باختصار نريد أن نحول المنطقة كلها تركيا ومصر وسوريا والعراق والسعودية وإيران ودول الربيع العربى وشمال أفريقيا إلى منطقة رفاه اقتصادى، وبالنسبة للوضع الحالى فإننا نعتبر مصر فى يومنا هذا هى الدولة الأكثر أهمية فى المنطقة، وأقول بوضوح تام إن مستقبل تركيا مرهون بنجاح مصر كما أن مستقبل مصر مرهون بنجاح تركيا، وقد قال رئيس الوزراء التركى للرئيس المصرى حينما التقاه فى أنقرة على هامش المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية فى 30 سبتمبر الماضى «إن تركيا تضع كل إمكاناتها من أجل إنجاح مصر، وهذه ليست علاقة سيطرة بل علاقة أخوة، لقد كانت علاقات شعوب المنطقة كلها على مدار التاريخ تقوم على الأخوة، وسنبقى أشقاء من الآن فصاعداً».

بعد معاهدة سايكس بيكو تم فصل شعوب المنطقة عن بعضها البعض بحدود مصطنعة

قلت له: هل تركيا ومصر فقط سيصنعان الشرق الأوسط الجديد؟ قال أوغلو: «إن دول المنطقة كلها سوف تشارك فى صناعة الشرق الأوسط الجديد، مصر وتركيا سيكون لهما الدور الأكبر والأقوى لكن جهود كل شعوب المنطقة سوف تتضافر من أجل إنشاء هذه المنطقة الجغرافية والسياسية الجديدة، تعلمون أنه بعد الحرب العالمية الأولى انقسم العالم إلى كتلتين وبدأت المرحلة الأولى من الاستعمار بتفتيت دول المنطقة وخضوعها للاستعمار المباشر، وبعد معاهدة سايكس بيكو تم فصل شعوب المنطقة عن بعضها البعض بحدود مصطنعة، وبعد الحرب العالمية الثانية انتهى عهد الاستعمار المباشر وجاءت أنظمة للحكم لا تعبر عن إرادة الشعوب، وبعد هاتين المرحلتين جاءت ثورات الربيع العربى التى أنتجت إدارات وحكاماً متصالحين مع شعوبهم، لقد كان القرن العشرين هو قرن الاستعمار والأنظمة التى زرعها الاستعمار، أما القرن الحادى والعشرين فهو قرن صناعة الديمقراطية ونهاية الأنظمة السلطوية فى المنطقة، الشعب المصرى استرد دولته من ميدان التحرير، وكذلك فعلت الشعوب العربية الأخرى، إن إرادة الشعوب هى التى ستصنع الأنظمة فى الفترة القادمة، الشرق الأوسط الجديد سيحترم حدود الدول تماماً كما تحترم كل دولة أوروبية حدود الأخرى، لكننا سنزيل العوائق ونفتح الدول بين الشعوب تتنقل كما تشاء، سوف ننشئ ممراً طويلاً من قلب أفريقيا عبر مصر إلى البحر الأسود فى شمال تركيا، ومن مرسين للإسكندرية وبنغازى وتونس والمغرب وبإمكان المواطن أن يمشى ويتنقل بكل حرية، ولن يكون هناك تنافس بل تكامل بين هذه الدول، وسوف نقيم مشروعات زراعية وصناعية مشتركة، لقد حققنا ثورات فى تركيا فى مجال الزراعة والصناعة والتأمين الصحى والمواصلات والاتصالات، وسوف ننقل تجاربنا للآخرين، وعلى كل دولة أن تصنع تجربتها الخاصة بها، مصر يمكنها أن تصنع تجربتها الخاصة بها وتكمل تركيا فى نواقصها وهم يكملوننا فى نواقصنا، لا توجد دولة تملك كل شىء ولا توجد دولة يمكن أن تهيمن على الأخرى، سنحترم حدود بعضنا البعض، ولا يتدخل أى منا فى الشأن الداخلى للآخر، إننا نستطيع أن نعيد المنطقة إلى ما كانت عليه مركز إشعاع حضارى فى الاقتصاد والسياسة الدولية، إننى أعلن أن الشرق الأوسط الجديد سيتم تشكيله فى السنوات الخمس عشرة القادمة.. قلت له: لكنكم الأكثر تقدماً ومن ثم فإن الهيمنة ستكون لكم.. نكمل غداً.

(4)

قلت لوزير الخارجية التركى بعدما قال لى: إن الشرق الأوسط الجديد سيتم تشكيله خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة.. إن الهيمنة ستكون لكم باعتباركم الدولة الأكثر تقدماً؟ فنفى نفياً قاطعاً هذا الأمر وقال: انتهى عصر هيمنة دولة على أخرى، إن لكل دولة إمكاناتها وخصوصياتها وسوف نتكامل ولن نتنافس، سوف نتعاون ولن تسيطر دولة على الأخرى، وعلى سبيل المثال فنحن لنا علاقات اقتصادية مع روسيا وكل دول أوروبا ولا نهيمن على أحد ولا يهمين علينا أحد، قلت لأوغلو: كيف تواجه تركيا أزمة اقتصادية مثل باقى الدول وتمول الخزينة المصرية بمليارى دولار؟ قال أوغلو: أؤكد عليك مرة أخرى أن نجاح مصر هو الأهم بالنسبة لنا فى هذه المرحلة، إذا نجحت مصر سوف تنجح تركيا وسوف ينجح العرب جميعاً وسوف يتغير وجه المنطقة وسوف نشكل الشرق الأوسط الجديد، وإذا فشلت مصر -لا قدر الله- فشل الجميع لذلك قررنا أن نضع كل إمكاناتنا من أجل نجاح مصر، الذى هو نجاح لنا، إن مصر هى مركز الحضارة والتاريخ فى المنطقة، والمركز الثانى هو بلاد ما بين الرافدين، والمركز الثالث هو بلاد الشام والأناضول، إن البداية ستكون لمصر وتركيا؛ لأنهما الأقوى وهما ستكونان مثل القاطرة التى ستجر باقى الدول العربية، وبعد الإعلان عن تشكل «المجلس الاستراتيجى الأعلى» بين مصر وتركيا سوف نضم إليه دولاً أخرى وإن كانت رؤيتنا تقوم على تقسيم المنطقة ثم جمع الدول مع بعضها يمكن أن نضم دول مجلس التعاون ودول حوض الرافدين ودول شمال أفريقيا، قلت له: «هذا حلم»، قال: إن الأفكار الكبيرة بدأت كلها كأحلام، والأحلام إذا وجدت الرجال الذين يؤمنون بها تحولت إلى حقائق، لقد كان الاتحاد الأوروبى حلماً بداية الخمسينات من القرن الماضى والآن أصبح حقيقية وأصبح هناك اتحاد بين هذه الدول رغم أنها لا تملك الثقافة أو اللغة أو حتى الديانة المشتركة لكن مقومات الأتحاد بين دول المنطقة وصناعة الشرق الأوسط الجديد وفق الرؤية والمنظور الذى طرحناه أفضل بكثير من المقومات التى لدى الاتحاد الأوروبى، قلت لداود أوغلو: هل توجهكم نحو مصر ودول المنطقة والسعى لصناعة وبناء الشرق الأوسط الجديد يعنى أنكم وليتم ظهركم نحو أوروبا لا سيما أن رئيس الوزراء أردوغان لم يتطرق إلى أوروبا فى خطابه المطول الذى ألقاه فى المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية؟ قال: إن أوروبا مصابة بنقص حاد فى الرؤية الاستراتيجية مما يقف عائقاً أمام مسيرة الاندماج التركى معها، لقد كنا قبل عشر سنوات أكثر رغبة فى الاندماج مع أوروبا، ذلك أننا كنا نعتقد أن القادة الأوروبيين يدركون القيمة الاستراتيجية العالية لتركيا، لكننا للأسف فوجئنا بتعصب ثقافى أعمى من الغرب، ووصفنا بالآخر، وتكوين الأفكار المسبقة والأكليشات الجاهزة عنا، وكذلك التخويف منا مثلما حدث فى الانتخابات الفرنسية وانتخابات بعض الدول الأوروبية الأخرى، مما أدى إلى بطء مسيرة اندماجنا فى الاتحاد الأوروبى، كما أن الاتحاد الأوروبى اتخذ مواقف أحادية الطرف فى المسألة القبرصية، على الرغم من أن قبرص التركية قبلت بخطة الأمم المتحدة وفوجئنا بعزل الطرف التركى والقبول بقبرص اليونانية عضواً فى الاتحاد الأوروبى رغم رفضه لخطة أنان، ومع ظهور الأزمة الاقتصادية وجدنا أن أوروبا بدأت تتقوقع على نفسها فى الوقت الحالى، سنبقى راغبين فى الدخول للاتحاد الأوروبى لأننا جزء من تاريخ أوروبا، لا يمكن كتابة تاريخ أى من الدول الأوروبية دون العودة للأرشيف العثمانى، وكذلك دول الشرق الأوسط لا يمكن كتابة تاريخ أى دولة منه دون العودة للأرشيف العثمانى، لقد كنا جزءاً من تاريخ الشرق الأوسط وأوروبا والقوقاز ووسط آسيا، لكننا نسعى الآن مع مصر ودول المنطقة لبناء الشرق الأوسط الجديد الذى يخدم دول وشعوب المنطقة وطموحاتها ومستقبلها، ويصنع قوة جديدة فى عالم متعدد الأقطاب، إن من حق شعوب المنطقة أن تصنع تاريخها كما صنعت ثوراتها وستكون الخطوة الأولى بين مصر وتركيا، أنهى داود أوغلو حديث عن حلم الشرق الأوسط الجديد، فهل سيضح مرسى وأردوغان اللبنة الأولى له حتى يتحول إلى حقيقة؟.

Total
0
Shares
السابق

غسالات مصر وطائرات تركيا

التالي

الشرق الأوسط الجديد (1)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share