أخطاء سنه أولى حكم

فى الأنظمة الديمقراطية العريقة مؤسسات الحكم لها تقاليدها ونظامها وقواعدها ونادراً ما يأتى أحد إلى مؤسسة الرئاسة فى تلك الأنظمة دون أن يمر بمراحل أخرى عديدة داخل المؤسسة حتى يتعرف على تلك القواعد والتقاليد والأنظمة التى عادة ما توجد على مستويات أقل فى البلديات ومؤسسات الحكم الأخرى، فمعظم الرؤساء الأمريكيين على سبيل المثال بعضهم يكون عضواً فى مجلس النواب أو الشيوخ أو حاكم ولاية أو يتدرج فى مناصب حزبية تقوده إلى إدارة الدولة فى النهاية، وخلال تدرجه فى تلك المسيرة يتعرف على فريقه الذى عادة ما يكون عوناً له فى حملته الرئاسية وكذلك فى إدارة الدولة، وفى الدول الأوروبية كذلك تجد الرئيس جاء من درجات أنظمة الحكم المختلفة، ولو نظرنا قريباً لوجدنا فى دولة مثل تركيا نفس الأمر يتكرر حيث كان رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركى الحالى رئيساً لبلدية إسطنبول لمدة أربع سنوات خلال التسعينات، لكن الوضع فى الدول العربية التى قامت بها ثورات مثل مصر وليبيا وتونس يختلف إلى حد بعيد، من ثم فإن الخبرة السياسية لدى الحكام الجدد حتى لو كانوا فى المعارضة منذ عشرات السنين لا تكفى لإدارة الدول، لأن إدارة الدول فن وعلم له قواعده وأصوله، واحتراف السياسة يحتاج إلى صقل وإلى تدريب، لأنه لا يكفى على الإطلاق أن يكون الإنسان محترفاً من الناحية المهنية حتى يمارس واقع السياسة والإدارة فى أنظمة الحكم والدول وقصور الرئاسة، لذلك فإن الذين يتركون بصماتهم السياسية خلال سنوات حكمهم هم القلة من الحكام، وعلى سبيل المثال لا الحصر لم يترك أحد من السياسيين البريطانيين بصمة على السياسة خلال القرن الماضى قدر ما تركه ونستون تشرشل ومارجريت تاتشر، وفى السياسة الفرنسية ربما يبقى شارل ديجول من أكثر الرؤساء الفرنسيين الذين تركوا بصمة بارزة فى القرن الماضى، وهكذا نجد فى كل دولة، لأن الحكام كثيرون لكن الذين يتركون بصمة هم القلة، وإذا جئنا للنظام الانتخابى لوجدنا أن من يود أن يرشح نفسه للرئاسة فعليه أن يعد نفسه لهذا الأمر قبل أربع سنوات على الأقل ويقوم بتشكيل فريق انتخابى فى كل الولايات يعمل على مدار السنوات الأربع لحملته الانتخابية ثم يكثف نشاطه وعمله فى العام الأخير. لكن ما حدث فى مصر وليبيا وتونس والمغرب كان مختلفاً إلى حد كبير، لذلك لو جئت إلى الرئيس المصرى محمد مرسى وسألته إن كان يتوقع قبل عدة أشهر حتى بعد قيام الثورة أن يكون رئيساً لمصر لأكد لك أنه لم يفكر فى هذا الأمر فى حياته ومن ثم لم يعِدّ نفسه له على الإطلاق، ولو جئت إلى رئيس المؤتمر الوطنى الليبى محمد المقريف وسألته إن كان يتوقع أن يزول نظام القذافى الذى عارضه ثلاثين عاماً ويصبح هو رئيساً مكانه، لقال لك – لا سيما بعد تفتت المعارضة الليبية فى الخارج – إن هذا ضرب من الخيال، ولو جئت إلى حمادى الجبالى رئيس الوزراء التونسى أو الرئيس التونسى المنصف المرزوقى أو رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بنكيران وقلت لهم إن أحدهم سيصبح رئيساً للدولة، الآخران رئيسان للحكومة فى بلديهما تونس والمغرب، لقالوا لك إن هذا من الأحلام، لذلك فإن كل هؤلاء لم يعدوا أنفسهم للحكم ولم يكونوا يعرفون كيف تدار مؤسسات الحكم وتركيباتها من الداخل، لذلك يجب ألا نظلمهم حينما يخطئون وهم فى عامهم الأول فى الحكم، لا سيما إذا كانت الأخطاء غير قاتلة وإنما هى ناتجة عن قلة الخبرة السياسية أو الممارسة للحكم، لأن اختياراتهم لمستشاريهم ووزرائهم ناتجة عن السمعة وليس عن الخبرة العملية، وكثير ممن وضعوا فى هذه المناصب لم يمارسوا هذه الأعمال من قبل، والعام الأول فى السلطة والحكم صعب مثل العام الأول فى كل شىء، وطالما أن الديمقراطية تقوم على المحاسبة واختيار الشعب لمن يحكمه فإن أحسن هؤلاء بقوا وإن أساءوا اختار الشعب غيرهم، لذلك يجب أن نمنحهم الفرصة، وأن نتغاضى عن الهفوات حتى نتجاوز عنق الزجاجة، وإلا فإن هذه الثورات ستفشل بسبب المطامع على كراسى الحكم.

Total
0
Shares
السابق

مخطط تدمير المنطقة

التالي

أوروبا المسيحية تعود إلى جذورها

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share