أوروبا المسيحية تعود إلى جذورها

استوقفنى شاب فى العاصمة الفرنسية باريس ليسلم علىّ ويأخذ معى صورة تذكارية، سألته: «ماذا تعمل؟»، قال: «مهندس كمبيوتر»، قلت له: «من أى الدول العربية أنت؟»، قال: «ولدت هنا فى فرنسا، وعائلتى مغربية تقيم هنا منذ أربعين عاما، ولدىّ الجنسية الفرنسية غير أنى سأهاجر من فرنسا»! قلت له: «الناس تموت فى القوارب من أجل الهجرة إلى أوروبا وأنت تريد الهجرة منها؟!»، قال: «إنهم يدفعوننا للهجرة، فأنا مهندس كمبيوتر متخصص فى مجال دقيق، لكن لأنى من أصول مغربية فإن فرص العمل بالنسبة لى فى هذه البلاد محدودة، إنهم يفضلون الفرنسيين البيض أولا ثم الأوروبيين من أى دولة أخرى ثانيا، ثم الأوروبيين من بلاد أوروبا الشرقية، ثم المسيحيين من جنوب شرق آسيا، ولا يعطوننا الفرص فى التوظيف إلا فى الوظائف الدنيا أو التى لا يوجد غيرنا ليقوم بها». وتأكيدا لكلامه وجدت تقريرا صدر فى فرنسا فى الأسبوع الماضى يؤكد أن نسبة البطالة بين أبناء المهاجرين أعلى بثلاثة أضعاف من الفرنسيين، مع صعود لافت لتيارات اليمين المتطرف، حيث حقق حزب الجبهة الوطنية الفرنسى التى تقوده جان مارين لوبان نسبة 18% فى الانتخابات البرلمانية الماضية، وهى أعلى نسبة يحققها الحزب فى تاريخه، مع هجوم من لوبان فى الأسبوع الماضى على الحجاب الإسلامى ومطالبها بمنع الحجاب فى فرنسا وليس النقاب. وفى خطاب ألقاه وزير الداخلية الفرنسى مانويل فالس خلال افتتاح مسجد سترازبورغ فى 27 سبتمبر الماضى دعا المسلمين فى فرنسا إلى تحمل مسئوليتهم لبناء «الإسلام الفرنسى»كمواطنين يتقبلون قوانين الجمهورية وقيمها وقاعدة العيش المشترك فيها، ولوّح بطرد الذين يخرجون منهم عن القانون. ويأتى مصطلح «الإسلام الفرنسى» وكأنه دين جديد أو قالب جديد للإسلام تحدده الجمهورية الفرنسية لمن يريدون العيش على أراضيها. وقبل تصريح وزير الداخلية الفرنسى بأيام صرح وزير الثقافة الفرنسى بأن الرسومات الكاريكاتيرية التى تناولت نبى الإسلام فى مجلة فرنسية للمرة الثانية هى جزء من حرية التعبير. وحينما سألت جان إيف كامو، الخبير فى التطرف السياسى والعنصرية فى معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية فى العاصمة الفرنسية باريس، عن هذه الظاهرة قال لى: «إن اليمين المتطرف يصعد بالفعل، لكن المشكلة ليست فى اليمن المتطرف ولكن فى يمين الوسط الذى يعتبر الحزب الرئيسى الذى ينافس الاشتراكيين فى الحكم، حيث أخذ يمين الوسط يتبنى أفكار اليمين المتطرف من أجل جذب أصوات الناخبين فى الانتخابات، كما أن بعض قادة يمين الوسط أخذوا يزايدون فى العداء والكراهية للأجانب ومنهم المسلمون، بشكل أصبح يخيفنى أكثر من اليمين المتطرف، لذلك أنا أعتبر يمين الوسط هو المشكلة وليس اليمين المتطرف». مخاوف جان كامو فى محلها لأن يمين الوسط هو الذى يحارب الحجاب، وهو الذى يحارب كل مظاهر الإسلام ولا يسمح إلا بـ«الإسلام الفرنسى» أو «الإسلام الألمانى»، أو غير ذلك من المصطلحات التى ستظهر لتفرغ الدين الإسلامى من مضمونه وتحوله إلى المفاهيم الكنسية فى النهاية، لأن اليمين المتطرف لا يحكم وفقط يصدر التصريحات النارية والعدائية، لكن ليس فى يده سلطة، حيث السلطة إما فى يد الاشتراكيين أو اليمينيين. وقد أكدت تقارير كثيرة أن الأزمة الاقتصادية التى تعيشها أوروبا الآن التى انعكست على كل شىء فى الحياة، ستدفع الأوروبيين إلى التقوقع أكثر على الذات وإلى النظر للأوروبيين من ذوى الأصول الأخرى، وعلى رأسهم المسلمون، على أنهم غير مرغوبين فى هذه المجتمعات، وأن عليهم أن يعودوا من حيث أتوا حتى يتركوا فرص العمل للأوروبيين، لذلك ظهرت جماعات متطرفة أخذت تحصد الأصوات وتدخل البرلمانات وتثير إعجاب الأوروبيين البيض، مثل جماعة «الفجر الذهبى» فى اليونان التى يتوقع أن تصبح القوة الثالثة فى البلاد، ومن المعروف أن اليونان من أكثر الدول الأوروبية التى تعانى من الأزمة الاقتصادية. إن أوروبا المسيحية لن تكون الملاذ الآمن للمسلمين بعد اليوم، وعليهم على المدى القريب أو البعيد إما أن يقبلوا بمواصفات الدين التى ستحدد لهم أو يعودوا إلى بلادهم.

Total
0
Shares
السابق

أخطاء سنه أولى حكم

التالي
أبو عمر المصري

أبو عمر المصري القصة الحقيقية وتلفيقات سي آي إيه (1-3)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share