الطريق إلى الجمرات (6)

كان يجلس بالقرب منى فى الطائرة التى أقلتنا من الدوحة إلى جدة، شعرت بشىء ما يجذبنى إليه، بدا فى العقد الثامن من عمره، لم أتحدث معه إلا حينما وصلنا إلى جدة وركبنا الباص الذى أقلنا إلى مكة، كنت أجلس فى مقدمة الباص فجاء وأشار بعصاه وهو ما زال على الأرض على المقعد الذى خلف السائق وقال: هذا مقعدى لا يجلس أحد عليه، كان معظم الحجاج يعرفونه ربما أنا الوحيد الذى لم أكن أعرفه من قبل إنه أبوخميس أحمد الكوارى، كان يتحدث مع الجميع بصيغة الأمر والكل يسمع له، حتى السائق الذى جلس خلفه أخذ يوجهه طوال الطريق، اذهب من هنا، أعط إشارة يمين، أعط إشارة يسار، لا تسمح لهذه السيارة أن تتجاوزك، وهكذا كأنما كان يقود هو السيارة وكان السائق سودانياً مطيعاً لكل ما يأمره به أبوخميس، وحينما دخلنا مكة واقتربنا من الحرم، أوقفنا الجنود ولم يسمحوا لنا بالمرور إلى الحرم لكن العم أبوخميس أمر السائق أن يتجاوز الجنود لكن السائق تمرد هذه المرة وقال «لا أستطيع سوف يسحبون رخصتى لستة أشهر وأخسر وظيفتى» نزل العم أبوخميس من الباص حتى يفاوض الجنود ليسمحوا لنا بالمرور لكنهم رفضوا رفضاً قاطعاً، وحينما عاد سألته: ماذا قال لك؟ قال: لقد أقسم بالطلاق؟ قلت له: أكيد غير متزوج وأكيد يقسم بالطلاق للجميع، بعد ذلك جاء أحد مسئولى الحملة وأقنعهم فى النهاية أن يفتحوا الطريق، كنت محظوظاً مع العم أبوخميس مرة أخرى حينما كانت غرفتنا مشتركة فى منى، كان يستيقظ قبل الفجر بساعة ثم يوقظنى ويوقظ باقى الشباب فى الغرفة، ووجدتنى مثل غيرى مندفعاً لخدمة أبوخميس إذا أراد شيئاً ودون أن يريد كنت أعرض عليه خدماتى، فقد أحببته بكل ما فيه من صرامة وشدة وعطف وأبوة، وكنت أناديه بالعم أبوخميس وأدركت أنه يحج فى هذه الحملة بشكل دائم، وحينما ذهبنا إلى عرفة وجاء أبوخميس حينما دخل الخيمة التى كانت تضم معظم الحجاج أخذوا ينادونه من كل صوب أن ينضم إليهم، لكنه حينما وجدنى وكنت أجلس وسط الخيمة اتجه صوبى فهيأت له المكان ثم قال لى: قم فنادِ الشباب الذين معنا فى الغرفة حتى ينضموا إلينا، قمت فبحثت عنهم فوجدتهم متفرقين فأخبرته أنهم متفرقون فى الخيمة، كان بعض الشباب يأتون فيخدمونه فكنت أعتقد أنهم أبناؤه لكنهم كانوا مثلى يحبون خدمته، جلس يلبى ويقرأ القرآن، وفى الاستراحة سألته قائلاً: كأنك تأتى إلى الحج دائماً، قال: الحمد لله، قلت له هل تذكر كم مرة أديت الحج: قال: الحمد لله هذه هى الحجة رقم ست وثلاثين، قلت له: ما شاء الله، ست وثلاثون حجة؟ قال: الحمد لله منذ العام 1976 ميلادى وهو العام الذى أديت فيه الفريضة لم أتخلف عن الحج سوى مرة واحدة، وكذلك عمرة رمضان وأحج فى هذه الحملة منذ أن أسست قبل عشرين عاماً، إنها موسم للطاعة يا بنى وعلى الإنسان أن يستغل مواسم الطاعات مع الله، مثل الذين يستغلون مواسم التجارة، وإن شاء الله سأبقى على هذا ما أحيانى الله، وقفت كثيراً عند ما قاله أبوخميس وزاد حبى له، كم عدد المسلمين الذين يملكون المال والصحة ولم يؤدوا حتى فريضة الحج؟ ولم يفهموا معنى موسم الطاعة والدعاء والتقرب إلى الله، كم عدد الذين يذهبون إلى الحج ويقضون الوقت فى الكلام مع أصدقائهم وأصحابهم فى شئون الدنيا، ناسين أن هذه اللحظات غالية وهى مخصصة لذكر الله فى أيام معدودات، كم عدد الذين يذهبون وقد ضحوا بأموالهم ووقتهم ثم لا يملكون غضبهم ويخسرون حجهم بسبب التطاول على هذا وسب ذاك، أدى أبوخميس الحج ستاً وثلاثين مرة ومثلها من عمرة رمضان، فأصبحت شيئاً ملازماً لحياته، وهو ينظر إليها على أنها موسم للطاعة وأيام للمغفرة والتجارة مع الله، نكمل غداً.

Total
0
Shares
السابق
يوسف ندا

يوسف ندا (1) : التنظيم الدولي للإخوان .. ومصير بنك التقوى

التالي

الطريق إلى الجمرات (7)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share