الطريق إلى الجمرات (7)

كنت كأغلب الحجاج من المتعجلين فرميت الجمرات فى يومين، ومشهد حشود الحجاج وهم يتوافدون إلى مبنى الجمرات من كل اتجاه بعد الزوال مشهد مهيب كم قضيت من الوقت وأنا أتأمله؛ حيث كان يقع السكن الذى أقيم فيه فى منى فى مكان مرتفع قريبا من الجمرات، فعلت شيئا مهما هذه المرة خلال رمى الجمرات، وهو التعرف على وفود الحجاج والحديث قليلا معهم حينما ينتهون من الرمى، رأيت وفدا من الرجال والنساء يزيد عددهم على خمسين حاجا كان يقودهم شخص يحمل راية غريبة، فتوجهت نحوه وقلت له: من أين أنتم؟ قال: من داغستان. قلت له: أنا من مصر وأود أن تنقل تحيتى لكل الحجاج معك، رفع صوته وخاطبهم بلغتهم وقال لهم: هذا حاج عربى من مصر ويريد أن ينقل تحيته إليكم. فوجئت بالجميع يبتسمون ويردون التحية بسعادة وفرحة، وداغستان معناها بلاد الجبال وهى إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية وسكانها أغلبهم مسلمون ويزيد عددهم على مليونين ونصف المليون، وبها ستة آلاف نهر تمد منطقة القوقاز باحتياجاتها الأساسية من المياه وتنبع معظمها من الجبال التى تغطى المساحة الأكبر من البلاد، تطل على بحر قزوين وتشتهر بالمصحات التى أُنشئت فى عهد الاحتلال السوفيتى السابق.. شاهدت مجموعة أخرى لفت نظرى أن الذى يقودها شاب صغير، توجهت نحوهم وقلت له: هل تتكلم العربية أو الإنجليزية؟ قال: أتكلم العربية. قلت له: مرحبا، أنا من مصر. قال ببشاشة: أنا تعلمت اللغة العربية فى مصر. قلت له: هل تعلمتها فى الأزهر؟ قال: لا، فى معهد خاص فى مدينة نصر. قلت له: هل تدرس فى الأزهر؟ قال: لا، أنا أدرس الاقتصاد فى بلادى، لكنى تعلمتها حتى أفهم الإسلام. قلت له: من أى البلاد أنتم؟ قال: نحن من تتارستان فى روسيا، وتتارستان هى إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية، تقع فى قلب الاتحاد الروسى، وهى من أهم مناطق إنتاج وتصنيع الغاز والنفط فى روسيا، وسكانها أربعة ملايين معظمهم مسلمون، ومنها يبدأ خط أنابيب الغاز الذى يغذى أوروبا، المعروف باسم «خط الصداقة»؛ حيث تعتمد أوروبا على روسيا فى إمدادها بالغاز، وقد دخل الإسلام إلى تتارستان بعد دخول التتار فى الإسلام فى القرن السابع الميلادى، وظلوا يستخدمون الأحرف العربية فى كتابتهم حتى عام 1928؛ حيث تم إلغاؤها بعد الثورة البلشفية، قلت له: تبدو صغيرا.. كم عمرك؟ قال: أنا لست صغيرا، أنا فى الثانية والعشرين من العمر. ابتسمت وقلت له: كيف حال المسلمين فى بلادكم؟ قال: رغم كل ما فعلته الشيوعية نحن بخير. قلت له: الخير دائم بأمثالك من الشباب.. سلمت عليهم فردوا السلام جميعا، ثم رأيت مجموعة من الحجاج بدا أنهم صينيون توجهت نحوهم وألقيت عليهم السلام فردوا قلت لهم: أنا من مصر كأنكم من تركستان. هز أحدهم رأسه بابتسام وفرحة أن وجد من يعرف بلادهم، وتركستان الشرقية تقع شمال غرب الصين وسكانها أغلبهم مسلمون ينتمون لعرق الإيجور، ولأن منطقتهم تقع بين إمبراطوريتين هما الصين وروسيا فقد عانوا كثيرا وقد دخل الإسلام غرب الصين فى مناطق تركستان فى القرن الأول الهجرى السابع الميلادى على يد قتيبة بن مسلم الباهلى، وقد نالت استقلالها عن الصين عام 1944، غير أن الصين ضمتها إليها بعد قيام الثورة الشيوعية هناك عام 1949، وهى غنية بالنفط والغاز واليورانيوم، وقد تعرض سكانها المسلمون للتهجير والضغوط فى ظل النظام الشيوعى وما زالوا يعانون حتى الآن، وهكذا فعلت طيلة يومين مع تجمعات كثيرة من دول كثيرة والكل كانوا يفرحون، فهؤلاء العجم ينظرون إلينا نحن العرب على أننا أحفاد النبى والصحابة ويفرحون فرحا شديدا بمن يسلم عليهم أو يحييهم من العرب وليت جميع الحجاج العرب يفعلون ذلك ليتركوا أثرا بالغا فى نفوس هؤلاء، وقفت على باب الحرم ودعوت الله بعد طواف الوداع ألا يكون هذا آخر عهدنا بالبيت وأن يعيدنا إليه مع الحجاج فى العام المقبل.. قولوا آمين. انتهت.

Total
0
Shares
السابق

الطريق إلى الجمرات (6)

التالي

الصراخ الجماعى فى مصر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share