طبول الحرب تدق

«طبول الحرب تدق والذى لا يسمعها أصم» هذا التصريح أدلى به قبل شهر العجوز الأمريكى اليهودى هنرى كيسنجر، وزير الخارجية السابق، ومهندس الترتيبات لـ«كامب ديفيد» وعلاقات إسرائيل بالأنظمة العربية، لكن يبدو أنه لم يلتفت إليه كثير من الناس، لكن ما يحدث الآن على حدود مصر الشرقية، وتحديداً فى غزة، يشير إلى أن طبول الحرب بدأت تدق بالفعل، وأن هذه الحرب التى يبدو من ظاهرها أنها تستهدف غزة لها أبعاد أكبر وأبعد من غزة بشكل كبير، فمصر التى كانت تهادن إسرائيل ولا ترى ما تفعله فى الفلسطينيين طوال العقود الماضية تغيرت وقامت بها ثورة أزالت النظام الموالى لإسرائيل، من ثم فإن مصر معنية بهذه الحرب بشكل مباشر، وليس الفلسطينيين وحدهم، لأن غزة هى العمق الاستراتيجى القريب للحدود المصرية، وما يحدث فى غزة يؤثر على مصر كلها، وليس فقط سيناء المتاخمة لها، كما أن ما يحدث على حدود إسرائيل الشرقية والشمالية من ثورة فى سوريا تجعل العالم يقف مشاهداً ما يحدث دون حراك متخوفاً من مستقبل النظام القادم فى سوريا وتأثيره على إسرائيل وأمنها ليس بعيداً على الإطلاق عن طبول هذه الحرب، ولأن إيران وتركيا ودول الخليج وباقى الدول العربية لن تكون بعيدة عن أى حرب قادمة فى المنطقة، فإننا يجب أن نضع ما يحدث فى غزة فى أبعاده الاستراتيجية الكاملة للمنطقة وليس فقط على محيط غزة، فالحروب تلد حروباً أخرى عادة ما تكون أوسع وأشمل والمنطقة العربية الآن ليست المنطقة العربية فى آخر حرب شنتها إسرائيل على غزة فى عام 2008 أو على لبنان قبل ذلك فى عام 2006، من ثم فإن هذه الحرب لها أبعادها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، ومن المؤكد أن إسرائيل قد رصدت خلال الأشهر الماضية التى تلت إقالة قادة المجلس العسكرى فى مصر كيف أن جيش مصر فى عهد وزير الدفاع الجديد والقيادة السياسية الجديدة للبلاد بدأ يجرى مناورات ويأخذ تشكيلات واستعدادات لم يقُم بها منذ عشرات السنين حيث ترهلت القوات المسلحة خلال السنوات والعقود الماضية واتجه قادتها لتحويل الجيش إلى شركات بعضها يبيع المخللات والطرشى وتنافس الباعة الجائلين، من الواضح أن جيش مصر لم يعُد هو جيش مصر الذى كانت إسرائيل تحدد وفق الاتفاقات السرية الخاصة بـ«كامب ديفيد» ما يفعله وما لا يفعله، من ثم فإن القيام بحرب باغتة ومدمرة على غزة هو رسالة مباشرة إلى مصر وشعبها، ولعل تدمير مقر رئاسة الحكومة الفلسطينية فى غزة بعد زيارة رئيس الحكومة المصرية هشام قنديل لها بساعات دليل على الرسالة المباشرة التى وجهتها إسرائيل إلى مصر، ومع تحذير مصر لإسرائيل من قصف غزة خلال زيارة رئيس الوزراء المصرى إلا أن إسرائيل تعمدت أن تواصل قصفها لغزة حتى فى ظل وجود رئيس الوزراء المصرى، وبذلك فإن الرسالة واضحة بأن إسرائيل غير راضية عما تقوم به القيادة السياسية المصرية، والجيش المصرى من ثم فإن جرّ مصر للحرب فى هذا التوقيت لا يستبعد لأن الحرب هى الفرصة الوحيدة لجمع شتات اليهود الممزق حالياً وإعطاء رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالى فرصة للعودة مرة أخرى من خلال صناديق الاقتراع، كما أن الأزمات الاقتصادية العالمية عادة ما تصنع حروباً أو تكون الحروب مخرجاً لها، فأمريكا وأوروبا تعانيان من أزمة اقتصادية طاحنة منذ عام 2008، وإشعال حرب فى المنطقة يمكن أن تجر إليها تركيا وإيران ودولاً أخرى يمكن أن يكون مخرجاً لأمريكا وأوروبا من أزمتها الاقتصادية وإجهاضاً لعلاقات تركيا مع دول الربيع العربى رغم أن تركيا حليف استراتيجى وعضو فى حلف الناتو فإن الغرب لا يقدم شيئاً على مصالحه وفى سبيل عرقلة الثورات العربية ومسيرتها وإجهاضها يمكن لمخططى السياسة فى واشنطن وبروكسل أن يشعلوا حرباً فى المنطقة لإعادة رسم خرائطها من جديد، إن تبسيط معركة غزة هو إغفال للأبعاد الاستراتيجية للحروب حتى لو كانت صغيرة، غير أن الحرب التى يمكن لإسرائيل أو للغرب أن يشعلوها يمكن أن تحرقهم، لأنه من السهل أن تشعل حرباً لكن من الصعب أن تضمن نتائجها.

Total
0
Shares
السابق

العمق الإسرائيلي الهش

التالي

سيناريو حرب غزة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share