القضاة حين يمارسون السياسة

كان اجتماع الجمعية العامة لقضاة مصر فى ناديهم يوم السبت الماضى 24 نوفمبر سياسياً بامتياز، فقد كانت أكثرية الحضور حسب شهود العيان من غير القضاة ومن التيار العريض المعارض للإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسى، وفى نفس الوقت كان «قضاة من أجل مصر «المؤيدون للرئيس مرسى يعقدون مؤتمراً صحفياً لم يحظ بحجم التغطية الإعلامية الكبيرة التى حظى بها اجتماع نادى القضاة، وبدا أن مصر انقسمت بقضاتها وشعبها فى مرحلة دقيقة من تاريخها، فالرئيس الذى أصدر إعلاناً دستورياً مؤقتاً ومرهوناً بالانتهاء من الدستور الدائم والانتخابات التشريعية وتحقيق مطلب مهم من مطالب الثوار من أول يوم وهو إقالة النائب العام وتشكيل محاكم للثورة، أصبح متهماً حتى من قبل الذين كانوا يطالبون بهذه المطالب بأنه اغتصب السلطة المطلقة، رغم أنه قيد الإعلان بالدستور والانتخابات فى مدة لن تتجاوز أربعة أشهر، مما يعنى أن هناك معارضة من أجل المعارضة، وأن هناك تدليساً وتشويهاً وترويجاً للأكاذيب والمقاصد من الدستور المؤقت ممن يتعمد التلكؤ فى إتمام الدستور الدائم والانتخابات البرلمانية ودفع مصر إلى الفوضى، ومعظم هؤلاء إما ممن تخطاهم الزمن سياسياً وأفسدوا فى مراحل سياسية سابقة وكانوا شركاء فيها، والآن يتصنعون دور الأبطال المدافعين عن الديمقراطية، وكانوا العون الرئيسى للرئيس المخلوع طوال سنوات حكمه، أو ممن يكرهون كل ما هو إسلامى ويريدون تقويض نظام الحكم القائم مهما كانت إنجازاته لمجرد أن على رأسه رئيساً ينتمى للإخوان المسلمين، أو من الطامعين فى السلطة ويرون أنهم أحق بها من الموجودين فيها، لكنهم لا يريدون أن يسلكوا طريق صناديق الاقتراع لأنهم يعلمون أن الشعب لا يمكن أن يعطيهم الثقة لأنهم ليسوا أهلاً لها، فاعتمدوا على صناعة الفوضى وترويجها فى البلاد، أو ممن بهرهم الظهور الإعلامى والبريق التليفزيونى فأصبحوا يقضون ساعات المساء ينتقلون من محطة تليفزيونية إلى أخرى يروجون لأفكار معارضة تصنع منهم نجوماً معارضين للنظام ومحركين للشارع. المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة يبدو فى أحاديثه وخطاباته وتصريحاته، حتى فى الصور التى تنشر له، رجلاً دائم التشنج والعصبية والحدة ولا يخفى اعتراضه على كثير مما يصدر عن السلطة الحالية فى مصر، رغم أن الناس ينظرون إلى القضاة على أنهم أكثر الناس ضبطاً لأعصابهم واختياراً لكلماتهم، بينما بدا المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام المقال فى اجتماع عمومية القضاة فى حالة دفاع عن النفس من خلال السرد التاريخى للوقائع التى أوردها، ولم يخف أنه يخشى من أن يكون مصيره السجن، ولا أدرى لمَ ألمح إلى هذا إذا كان كل ما قام به دفاعاً عن الشعب وتحقيقاً للقانون من خلال دوره كمحامٍ للشعب وهذا دور النائب العام، على الجانب الآخر شكك «قضاة من أجل مصر» الذين يمثلون ثقلاً كبيراً داخل منظومة القضاة فى عمومية القضاة فى مؤتمر صحفى عقدوه فى نفس الوقت عمومية نادى القضاة ولم ينل حظه من التغطية الإعلامية وقالوا «إن أغلب الحضور فى عمومية القضاة كانوا من غير القضاة ومن غير أصحاب الصفة القضائية» وأكد قضاة من أجل مصر، الذين طالبت الجمعية العمومية لنادى القضاة بتجميد عضويتهم فى النادى، دعمهم وتأييدهم للإعلان الدستورى المؤقت ووصفته بأنه يدعم استقرار البلاد وتحقيق أمنها وسلامتها، وأن من حق رئيس الجمهورية المنتخب اتخاذ كل التدابير الاستثنائية بما يحقق استقرار البلاد. انقسم القضاة مع انقسام السياسيين وبدا أن القضاة يمارسون السياسة بامتياز، وهذا أمر يشكل خطراً كبيراً على منظومة التقاضى؛ لأن القاضى فى النهاية إنسان يجب أن يحكم بين الناس بالعدل، وكثير من الأحكام تعتمد على ضمير القاضى، لاسيما فى القضايا ذات الشق السياسى والإدارى التى يلعب القضاء دوراً كبيراً فى حسم الكثير منها، التى دفعت الرئيس فى الإعلان الدستورى أن يحصن قراراته بعدما أخذ القضاء يتصدى بشكل مسيس لبعضها ويعرقل المسيرة السياسية حسب رأى كثير من الخبراء والمراقبين. لا نستطيع أن نفصل مشهد القضاة وانقسامهم عن المشهد السياسى العام فى مصر، الذى يشهد انقساماً بين الجميع حتى ربما داخل البيت الواحد، ومن ثم فإنه ليس له إلا الله.

Total
0
Shares
السابق

النائب العام المقال وإعلان حماية الثورة

التالي

عودة البلطجية وأعداء الثورة بحماية أمنية

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share