مهرجان البراءة للجميع

صدرت فى الأسبوع الماضى فى مصر سلسلة من الأحكام القضائية المثيرة للاهتمام والتعجب، فقد تم الإفراج عن معظم رجال المخلوع مبارك، بعد قبول تظلماتهم أو دفوعهم بالنقض من محكمتى الجنايات والنقض اللتين قضتا بإعادة محاكمتهم مرة أخرى، فقد قضت المحكمة بإعادة محاكمة زكريا عزمى، مدير ديوان مبارك والرجل الذى كان يدير الدولة بشكل فعلى طيلة السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك على الأقل، وكان قد أدين بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة الكسب غير المشروع، أما صفوت الشريف، ضابط الترفيه فى المخابرات العامة السابقة فى عهد عبدالناصر والرجل الذى استطاع أن يتسلق سلم الحكم وأن يبقى فى سدته حتى سقوط مبارك، فقد قررت محكمة جنايات القاهرة إخلاء سبيله بضمان محل إقامته على ذمة القضية المتهم فيها بإهدار المال العام لصالح نجله أشرف، والعجيب أن النيابة العامة لم تجد أى تهم أخرى لهذا الرجل الذى أفسد الحياة فى مصر طيلة ما يزيد على أربعين عاماً غير هذه التهمة التى خرج منها مثل «الشعرة من العجين»، كما يقول المصريون، كما قضت محكمة النقض، برئاسة المستشار حسين الجيزاوى، بإلغاء حكم محكمة جنايات الإسماعيلية الصادر بمعاقبة وزير الزراعة السابق أمين أباظة ورجل الأعمال عمرو منسى، بالسجن المشدد ثلاث سنوات، لاتهامهما بالاستيلاء على أراضى الدولة بسيناء، حيث وافق «أباظة» على بيع 10105 أفدنة لـ«منسى» بسعر 19 مليون جنيه، مخالفاً أحكام القانون الذى يحظر بيع تلك الأراضى والاكتفاء ببيع حق الانتفاع فقط، كما قررت محكمة جنايات الجيزة إخلاء سبيل يوسف والى، وزير الزراعة الأسبق، بعدما أصدرت محكمة النقض حكمها بإعادة محاكمته وإلغاء الحكم الصادر بحقه بإدانته بالسجن عشر سنوات فى قضية أرض جزيرة البياضية، كما أخلى سبيل رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد، الذى كان قد حكم عليه فى نفس القضية بالسجن المشدد عشر سنوات، كما أخلى سبيل وزير الطيران الأسبق إبراهيم مناع وزوجته من سراى النيابة بعدما قاما برد الشاليهات التى حصلا عليها من جمعية الطيارين بدون وجه حق، أما محكمة جنايات الجيزة، فقد أصدرت حكماً يوم الأربعاء الماضى برفع التحفظ عن أموال رجل الأعمال محمد فريد خميس، ومحافظ السويس الأسبق محمد سيف الدين أحمد، عقب قيامهما بسداد الأموال المستحقة عليهما بعدما قاما عام 1976 بشراء حق الانتفاع لقطعة أرض مساحتها 826 ألف متر مربع بالعين السخنة نظير 3 قروش للمتر المربع تتم زيادتها إلى 105 قروش ولم يقوما بالسداد. هذا غيض من فيض من أحكام البراءة أو إلغاء الأحكام أو إعادتها التى صدرت خلال أسبوع واحد فقط هو الأسبوع الماضى الذى لم يكن بحق سوى مهرجان البراءة للجميع، القصة هنا ليست قطعة أرض هنا و«شاليه» هناك، القصة الأكبر أن هؤلاء دمروا الوطن وخربوا الإنسان المصرى ودمروا ثقافته وأخلاقه ومروءته وصدقه وطيبة نفسه وقلبه، ومع ذلك لا يوجد فى القوانين التى وضعها هؤلاء أى شكل من أشكال الإدانة لمن يرتكب هذه الجرائم الإنسانية، إن اختزال الجرائم التى ارتكبها هؤلاء فى قطعة أرض هنا وقطعة أرض هناك هو اختزال مهين للجرائم التى ارتكبوها بحق مصر وشعبها على مدار العقود الأربعة الماضية، لقد أخرجت إحدى مرافقات صفوت الشريف خلال خروجه من مديرية أمن القاهرة لسانها للحضور جميعاً من صحفيين وغيرهم وتم تصويرها ونشر الصور، وهى بذلك تخرج لسانها للشعب المصرى كله، ولثورته ولنضاله فى سبيل استرداد حريته وكرامته من هؤلاء الذين سلبوها ونهبوها طوال العقود الماضية، لقد سبق هؤلاء فريق آخر من رجال مبارك خرجوا وهم الآن آمنون بين أهليهم مثل فتحى سرور رئيس مجلس الشعب السابق، أو وزير الإعلام أنس الفقى، ومن غير المستبعد أن نرى مبارك وأولاده وقد خرجوا قريباً واستردوا حريتهم لينعموا بالمليارات التى نهبوها من خيرات هذا الشعب، وليخرجوا لسانهم لنا جميعاً، الأمل الوحيد الباقى لهذا الشعب هو فى محامى الشعب النائب العام والفريق الذى يعمل معه وتقرير لجنة تقصى الحقائق وما به من معلومات، لعل هذا الأمل الباقى يعيد للشعب بعض حقوقه، ويعطى الجزاء الأوفى لمن أجرم فى حق مصر وشعبها.

Total
0
Shares
السابق

الإعلام الذي يهدم مصر

التالي

انتشار فتاوى القتل!

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share