مآسى ركاب مصر للطيران (1)

بقيتُ لسنوات طويلة أبتعد عن ركوب طائرات مصر للطيران، لاعتبار أساسى هو أن المبتلين بالسفر الدائم مثلى يفضلون الراحة فى السفر، ليس من أجل النوم، فأنا لا أستطيع النوم فى الطائرات أو أية وسائل مواصلات إلا فى حالة الإنهاك التام، ولكن من أجل العمل، فصالات السفر ومقصورة الطائرة هى أماكن عمل بالنسبة لى، إما أكتب أو أقرأ أو أرتب عملى أو أرتاح من عناء سفر وعمل لا ينقطع، ولأن القائمين على إدارة مصر للطيران كانوا مثل القائمين على إدارة مصر قبل الثورة يشعرون بالدونية وأنهم ليس من الممكن أن يكونوا أفضل من شركات طيران كثيرة أداؤها أفضل بفضل المصريين الذين يعملون بها، لذلك أهملوا الخدمات التى أصبحت هى أهم ما يميز شركات الطيران الآن، وأصبح الراكب الذى يضطر لدفع مبالغ ليست بسيطة فى أسفاره يبحث عن الخدمة خلال وأثناء السفر وحتى بعد الوصول، فمعظم شركات الطيران المحترمة تخصص صالات سفر خاصة بها وبركابها، وخدمات دخول الطائرة ووزن الأمتعة، وبعدها ترتب خدمات خاصة بختم الجوازات بحيث لا يعانى المسافر فى الطوابير الطويلة، بعدها تخصص له قاعات انتظار حسب درجات السفر، عادة ما تكون مريحة ولا يمثل انتظار الطائرة بالنسبة له أية معاناة بل يود أحياناً أن يبقى وقتاً أطول ليستمتع بخدمات ما قبل ركوب الطائرة، وبعض شركات الطيران خصصت قاعات لها فى مطارات دول أخرى، وليس فى مطاراتها فقط، بها مطاعم فخمة وخدمات التسلية المختلفة، وقد رأيت كثيراً من رجال الأعمال المصريين أو حتى ممن يعملون فى الشركات العالمية يفضلون ركوب طائرات هذه الشركات لأنها توفر لهم هذه الخدمات، أما الخدمات على الطائرة فهى أشبه ما تكون بمتعة لا يرغب الإنسان فى انتهائها، بدءاً من الكراسى المريحة والمسافات المريحة بين الكراسى حتى لركاب الدرجة السياحية ووصولاً بشبه غرفة خاصة فى الدرجة الأولى، ولا يشعر الراكب بملل الرحلة مهما كان طولها، أما عند الوصول فهو ليس مضطراً للوقوف فى الطوابير الطويلة أيضاً من أجل ختم الجوازات مهما كانت وجهته لأن الشركة الناقلة تمنحه «كارت» للإجراء السريع للخروج من المطار، وبعض الشركات تدلل ركابها أكثر، فتمنحهم سيارة ليموزين لنقلهم إلى حيث يقيمون فى أى فندق فى المدينة التى نزلوا فيها، هذه الخدمات جعلت معظم الركاب فى كل الدول يبحثون عن الشركات التى تقدم الخدمات حتى لو اضطروا لعمل ترانزيت فى مكان ما، لأن الرحلة لن تكون قطعة من العذاب ولكنها ستكون تجربة ممتعة، ولنا أن نتصور أن بعض الشركات التى ارتقت فى خدماتها وأصبحت تجذب عشرات الملايين من الركاب سنوياً لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة لكن خدماتها استطاعت أن تجذب عشرات الملايين لاستخدام طائراتها، ومن ثم أصبحت صناعة الطيران والركاب بالنسبة لها مصدر دخل مالى هائل، لأن هذه الخدمة ليست من الخدمات الآجلة الدفع ولكنها من الخدمات الفورية الدفع التى توفر عملة نقدية فورية يمكن أن تسهم فى نمو الشركة ونمو اقتصاد البلد الذى تمثله، ولنا أن نتخيل دولة مثل مصر بها أكثر من خمسة وثمانين مليون نسمة من المصريين وحدهم، منهم عشرة ملايين يعملون خارج مصر ومثلهم على الأقل يسافرون سنوياً فى رحلات حج وعمرة وسياحة خارج البلاد، ومثلهم يسافرون داخلها، فنحن بذلك أمام عرض مغرٍ لأى شركة طيران أن تعمل فقط على الركاب المصريين دون أن تكون بحاجة للترويج الدولى أو إلى عشرة ملايين سائح أو أكثر يترددون على مصر سنوياً، ومن ثم فنحن، من خلال دراسة أولية بسيطة، أمام كنز من الركاب ومن الأموال، هذا الكنز من الركاب والأموال يمكن أن يحول مصر للطيران إلى واحدة من أنجح شركات الطيران الجاذبة فى العالم حتى للمصريين الذين بدأوا يفرون لركوب شركات الطيران الأخرى بسبب الخدمات المتدنية التى تقدمها مصر للطيران لركابها على كافة الدرجات، والتى تدفعهم إلى الهروب والبحث عن شركات أخرى تقدم خدمة أفضل إن لم يكن فى إجراءات السفر والوصول فى مطار القاهرة الذى يشهد حالة مزرية هو الآخر ولكن من أجل الخدمات على الطائرة وما بعد الوصول أو الترانزيت، فى ظل هذه الصورة: ما هى المآسى التى يعانيها ركاب مصر للطيران؟ نكمل غداً.

Total
0
Shares
السابق

من الإعدام.. إلى رئاسة الحكومة

التالي

تدمير التاريخ والجغرافيا فى سوريا

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share