القلق العربي على مصر

كانت مصر على مدار التاريخ ومازالت قبلة العرب، فهي من أولى الدول التي دخلها الإسلام والعرب وقد فتحها صحابي جليل هو عمرو بن العاص كما جاء إليها كثير من الصحابة واستقروا بها وماتوا ودفنوا فيها، وهي تحوي أكبر رصيد وانتشار للقبائل العربية التي جاءت إليها من أنحاء الجزيرة واستقرت في ربوعها المختلفة وما زالت بعض القبائل تحتفظ بموروثاتها وعاداتها وتقاليدها التي جاءت بها من الجزيرة حتى الآن، وقد اختلطت دماء العرب بدماء المصريين من قديم ونتج عنها ذلك الإنسان الذي يحمل عناصر الطيبة والوداعة وسهولة الانقياد، مع الشجاعة والمروءة والرجولة، وما من عربي وطأت أقدامه مصر من المغرب وحتى المشرق إلا وعشق نيلها وشمس أصيلها ونسمة الهواء العليل الرقراقة مع طيبة أهلها فأحب المقام بها، ولذلك في مصر حتى الآن عائلات جزائرية ومغاربية وتونسية وليبية، وسودانية ومن عرب الجزيرة وبعد أزمة العراق توافد عشرات الآلاف وبعد أزمة سوريا أصبحت ملجأ السوريين كما كانت أرض الفلسطينيين والشوام من قديم، من كان يريد الشهرة أو العلم أو العمل أو التجارة أو الصحافة أو الفن أو غير ذلك من مآرب الحياة كان يلجأ إلى مصر فيجد من يعلمه، أو يدربه أو يتذوق فنه، أو يحب طربه، وكان الفقير ومازال يجد فيها مأواه قبل الغني.
هذه المكانة لمصر لدى العرب جعلت الجميع قلقا على ما يحدث فيها منذ قيام الثورة، متطلعا إلى استقرارها وإلى دورة عجلة الاقتصاد والحياة بها، المشهد الذي يظهر على شاشات التلفزة في مصر يقلق الجميع وكل من يلقاني يقول لي : إلى أين تسير مصر وإلى أين تتجه؟ فأقول : إن مصر أكبر مما يعرض على الشاشات من اضطرابات منظمة ومرتبة، وكأن هناك توافقا بين الذين يثيرون الفوضى والذين ينشرونها، ولعل ضعف الأداء السياسي والأمني ساعد على تفاقم القلق لدى المتابعين، لكن الأوضاع على الأرض وإن كانت سيئة لكنها ليست بالسوء الذي تظهره الشاشات، كنت أود من الرئيس مرسي أن يركز على ملف واحد مما يقلق الناس ويسعى لتحقيق إنجاز فيه، ملف واحد فقط، وكان الأمن والمرور ورغيف الخبز هي أهم الملفات لو أعطى أحدها اهتمامه الكامل وركز عليه بالليل والنهار في حديثه وكلامه مع الناس والمسؤولين، وحقق فيه نجاحا ملموسا، لاستطاع أن يجد ما يفخر به، لكنه لأنه لم يكن مستعدا لما ألقي على كاهله من مسؤوليات أصبح يدور في إطار ردة الفعل والعمل اليومي الذي يستهلك طاقة أي إنسان، صحيح أن وزير التموين نجح في حل مشكلة أنابيب البوتاجاز ويسعى الآن لحل أزمة رغيف الخبز، لكن الثورة المضادة ورجالها يصنعون كل يوم أزمة تجعل الرئيس يفقد قدرته على الترويج لما ينجز كما أن النيل من هيبة الدولة والنظام يجعل الرئيس والحكومة في وضع ضعيف.
الرئيس مرسي يبذل ما يستطيع ويقدم أفضل ما عنده وهذه هي قدراته وقدرات الفريق المحيط به، لذلك يجب أن نتوقف عن اللوم ونتجه إلى الحل الأفضل لمصر وهو الانتخابات البرلمانية التي تفرز مجلس نواب منتخبا يقدم رئيس حكومة من الحزب الذي يحقق الأغلبية، ورئيس الحكومة هذا تكون لديه الصلاحيات الواسعة التي منحها له الدستور الجديد والتي يستطيع من خلالها أن يختار طاقما وزاريا من الأكفاء وتكون لديه الكاريزما والقوة والقدرة على إدارة الدولة بشكل يخرجها مما هي فيه بدلا من تلك الحكومة الضعيفة وتحميل الرئاسة أكبر من طاقتها، هذا هو المخرج الحالي لمصر والذي تسعى المعارضة التي لديها وجود ضعيف على الأرض إلى عدم تحقيقه عبر صناعة الفوضى في أنحاء البلاد، وتخويف الناس في الداخل وزيادة القلق في الخارج على مصر وما يحدث فيها، الذين يسيئون لمصر هم على أعلى تقدير بضعة آلاف قليل منهم مخلصون وكثير منهم إما مخدوعون وإما مستأجرون، على المدى البعيد لدى تفاؤل كبير، وعلى المدى القريب مصر لن تخرج مما هي فيه بدون مجلس نواب قوي يفرز حكومة قوية، وإلا فإن دوامة الفوضى ستظل قائمة وستطول المرحلة.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

تطبيق حد الحرابة وقتل اللصوص في مصر

التالي

النظام الذي يسعى الغرب لإقامته في سوريا

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share