سيظل السادس والعشرين من مارس من العام 2013 يوما تاريخيا في حياة الشعب السوري والثورة السورية، لأنه اليوم الذي قررت فيه الحكومات العربية في اجتماع القمة المنعقد في الدوحة إسقاط نظام بشار الأسد عربيا وسياسيا وإنهاء وجوده ديبلوماسيا و أن يصبح الائتلاف السوري والحكومة السورية المؤقتة هي الممثل الشرعي للشعب السوري.
قبيل بدء القمة أعمالها كنت في الطابق الأعلى للقاعة التي اجتمعت فيها الوفود العربية في فندق شيراتون الدوحة مع بعض الزملاء الذين سمح لنا بالدخول جلسنا نرصد مواقع الوفود وممثليها، حيث كانت وفود مصر وليبيا وتونس هي أفضل شاهدعلى أن الملك يؤتى وينزع، فأبرز معارضي الحكام الذين طالما جلسوا على هذه الكراسي سنوات طويلة هم الذين أصبحوا يمثلون دولهم، من كان يصدق أن محمد مرسي عضو جماعة الإخوان المسلمين الذي طالما طارده مبارك لسنوات طويلة وأدخله السجون عدة مرات سيخرج من السجن إلى القصر وسيخرج مبارك من القصر إلى السجن ؟، ومن كان يظن أن رئيس الحكومة الليبية الذي عاش عشرات السنين في المنفى هاربا من القذافي ونظامه هو الذي سيمثل بلاده بعد أن يطيح الشعب بالطاغية، ومن كان يظن أن العدو اللدود لزين العابدين بن علي حاكم تونس الذي ظل يعيش في المنفى سنوات طويلة سيعود للبلاد بعد أن يطيح الشعب بالطاغية فيفر هاربا خارج البلاد ويأتي الدكتور المنصف المرزوقي من المنفى ليدخل قصر قرطاج وتخرج منه عائلة بن علي كلها، هذه هي المرة الأولى في تاريخ اجتماعات الجامعة العربية التي يجلس فيها هؤلاء الحكام المنتخبون من شعوبهم انتخابا حرا ليمثلوا بلادهم تمثيلا حقيقيا، غير أن مقاعد سوريا كانت فارغة.
نظرنا فوجدنا علم الاستقلال السوري مرفوعا على إحدى الطاولات وخلفها مقعد الرئيس وخلفه ثمانية مقاعد فارغة، أدركنا أن هذا ميلاد جديد لسوريا بعلم جديد وتمثيل جديد، تمثيل حقيقي للشعب السوري، ما إن بدأ رئيس القمة الجديد أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني كلمته حتى استأذن الحضور بدعوة الوفد السوري برئاسة معاذ الخطيب ورئيس الحكومة المؤقتة المكلف غسان هيتو والوفد المرافق للدخول وشغل مقعد سوريا بناءعلى القرار الوزاري للجامعة وقد أحسن السوريون أن ضم وفدهم مسيحيا هو جورج صبرا وسيدة هي سهير الأتاسي، صفق الزملاء حولي ثم ضجت القاعة بالتصفيق، ليتم في المرة الأولى في تاريخ الجامعة الاستجابة لمطلب شعب عربي دفع ومازال يدفع ثمنا باهظا في سبيل حريته، مائة ألف شهيد وتدمير معظم أنحاء سوريا والتدمير مازال مستمرا بكافة أنواع الأسلحة وعلى رأسها صواريخ سكود التي أطلق النظام المجرم منها صاروخين بينما كانت القمة تفتتح جلستها الأولى.
بعبارات تحمل الأسى والصبر وتخاطب المشاعر و العواطف تحدث معاذ الخطيب بكلمة الشعب السوري، كل الحكام والحكومات كانت تمثل أنظمتها لكن الوفد السوري كان يمثل الشعب السوري، وأهم ما جرى اليوم هو أجماع العرب على إسقاط النظام في سوريا، ومعنى أن العرب قرروا إسقاط النظام في سوريا، أن أيام النظام باتت معدودة، فالمقاومة السورية أصبحت تسيطر على ما يقرب من ستين في المائة من مساحة البلاد، كما أن آبار النفط ومحطات توليد الكهرباء وأكثر من نصف المصانع السورية وكذلك سد الفرات وغيرها من الموارد الأساسية الأخرى للدولة أصبحت تحت أيدي حكومة الثورة، مما يعني أن نظام الأسد يتهاوى يوما بعد يوم والمسألة أصبحت مسألة وقت فقط، صحيح أن التقدم بطيء وتكاليفه عالية لكن من ينظر إلى وضع النظام قبل عامين ثم قبل عام ثم قبل ستة أشهر ثم وضعه الآن يدرك أن الثورة السورية منتصرة لا محالة وما هي إلا مسألة وقت، فقد قاوم مليسوفيتش ثم سقط نظامه وقاوم القذافي ثم سقط نظامه، والأسد يقاوم لكن نظامه قد سقط بالفعل، لأن إسقاط نظام الأسد في الجامعة العربية هي مقدمة لإسقاطه في المجتمع الدولي، ويوم النصر الحقيقي يوم ينجح الثوار السوريون في توحيد كلمتهم والانتصارعلى أنفسهم وخلافاتهم وفاء للدماء التي سالت والآمال التي مازالت قائمة.
الوطن القطرية
