الهروب الكبير من أفغانستان (1)

أعلنت نيوزيلندا يوم الجمعة الماضي 5 أبريل سحب قواتها من أفغانستان، وأنها قررت منح الجنسية النيوزيلاندية للمترجمين الأفغان الذين عملوا مع قواتها مكافأة لهم، وإعلان نيوزيلندا يأتي في أعقاب إعلان كل من فرنسا وبريطانيا والدنمارك ودول أخرى عديدة البدء في سحب قواتها من أفغانستان المقرر أن تنتهي بنهاية العام القادم 2014 ، وكانت وكالة الصحافة الفرنسية قد نشرت تقريرا في 24 سبتمبر الماضي عن إحدى الوحدات الفرنسية التي بدأ جنودها في حزم أمتعهم للعودة إلى فرنسا، وقالت إن متوسط عمر الجنود هو 28 عاما بينما أصغرهم يبلغ العشرين عاما، ونقلت عنه قوله «عند وصولنا إلى فرنسا بعد خمسة أشهر في أفغانستان هناك دوما فترة معقدة».
وهذه الفترات المعقدة في حياة الجنود هي أخطر من فترات وجودهم حيث يصابون بأمراض نفسية بعضها عضال تستدعي العلاج لسنوات طويلة خاصة الذين ارتكبوا منهم جرائم بحق المدنيين حيث يظل هؤلاء المدنيون القتلى يطاردونهم في أحلامهم ويقظتهم مدى الحياة وأذكر من خلال تغطيتي لعدة حروب ومتابعتي لما يصيب الجنود من أمراض بعد الحروب لاسيما الجنود الصرب في البوسنة والأميركيين في العراق وأفغانستان كيف أن الأمراض النفسية تفتك بهم فتكا بعد عودتهم وكثير منهم يفقدون عائلاتهم ووظائفهم ويصبحون رهينة للخمور والمسكرات.
حينما حشدت الولايات المتحدة جنودها لعزو أفغانستان بعد الحادي عشر من سبتمبر لم يترك جورج بوش قرينة كاذبة وإلا وساقها من أجل تبرير هذا الغزو وحتى يبرر فعلته جمع معه الحلفاء من دول حلف الناتو وفرض على دول كثيرة أن تشارك معه في هذه الحرب حتى يجد غطاء دوليا لها، وهذا ما جعل الرئيس الأفغاني حامد قرضاي في حواري الذي أجريته معه في برنامجي التليفزيوني «بلاحدود» في الأسبوع الماضي يجيب على سؤالي الذي قلت له فيه «ماهو الفارق بين بابراككارميل الذي جاء على دبابة سوفياتية وحامد قرضاي الذي جاء على طائرة أميركية»؟ على اعتبار أن قرضاي جاء بعد مؤتمر بون في ديسمبر 2001، فقال : لقد جئت بتحالف دولي بناء على قرار من مجلس الأمن، وهكذا حرص بوش أن يزين جريمة الغزو الأميركي لأفغانستان بقرار دولي من ناحية، وغطاء عسكري مشترك من ناحية أخرى، لكن بوش كرر نفس الخطأ الذي سبق وارتكبه السوفيات في أفغانستان حينما قاموا بغزوها في العام 1979، وخطأ البريطانيين حينما قاموا بنفس الفعل في بدايات القرن الماضي ومازالت مقابرهم تملأ جبال أفغانستان وأوديتها، أعلن بوش أن هدفه هو الحرب على الإرهاب ومارس إرهابا لم يمارسه أحد من قبله ضد شعب فقير أعزل، واضطر جزء كبير من هذا الشعب أن يحمل السلاح ضد الأميركان وجنود الناتو كما حمله ضد السوفيات من قبل، فيما آثر آخرون أن يمدوا يدهم للأميركان ويتعاونوا معهم معللين ذلك أن الأميركان غير السوفيات، وكما حقق السوفيات فشلا طيلة عشر سنوات من الاحتلال تكبدوا خلالها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، تكبد الأميركان والتاتو كذلك عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، غير أن النعوش التي كانت تعود للاتحاد السوفياتي وحده صورته كانت مختلفة عن الاحتلال الأميركي فالنعوش كانت تعود إلى كل الولايات الأميركية وإلي كل الدول التي شاركت في التحالف، خسر البريطانيون و الفرنسيون والكنديون ومعظم القوى ما بين عشرات إلى مئات إلى آلاف الجنود مابين قتلى وجرحى، وحتى الإعلام الغربي لم يقتنع بالرئيس الذي وضعه الغرب فسموه في البداية «عمدة كابل» ثم «صنيعة الأميركان» والآن يستعدون للخروج مع عجزهم عن تأمين أي مستقبل لهذه البلاد التي احتلوها طيلة اثني عشر عاما، فنشروا فيها الفساد والاستبداد وقد أعلن الرئيس قرضاي أن قوات الناتو هي التي نشرت الفساد في بلاده عن طريق العقود التي سعوا لرشوة كل السياسيين البارزين بها بما فيهم إخوته وأناس من عائلته، وأن هذه العقود كانت الطريق لنشر الفساد و الافساد ويكفي أن ندرك حجم هذا الفساد من خلال إنفاق خمسين مليار دولار على القوات الأفغانية التي لايزيد عددها عن مائة وخمسين ألفا، لنعرف حجم الفساد والخراب والدمار الذي مارسوه في هذه البلاد… نكمل غد

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

خطوات صناعة الديكتاتور في مصر (2)

التالي

الهروب الكبير من أفغانستان (2)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share