الهروب الكبير من أفغانستان (2)

لم يكن الغزو الأميركي بمشاركة حلف الناتو لأفغانستان نزهة ورغم نجاح الناتو في اسقاط نظام طالبان بسبب كثافة النيران وعدم تكافؤها والجرائم البشعة التى استخدمت، الا أن طالبان مع فصائل معارضة أخرى شنت حرب عصابات لا هوادة فيها ضد قوات الناتو التى كانت كل يوم تخسر المزيد من الجنود والعتاد، ففي تقرير نشر في التاسع من يونيو من العام الماضي 2012 قال ان عدد قتلي الناتو حتى ذلك التاريخ وصل الى 3040 جنديا، أما عدد المصابين والمعوقين وهم الخسارة الأكبر والتكلفة الأعلى فقد وصل الى مائة وثلاثة وخمسين ألف جندي، هؤلاء يكلفون خزائن دول الناتو مئات الملايين من الدولارات من العلاج والنفقات والتعويضات التى يبقى بعضها عشرات السنين، كما أن هذا العدد ضخم للغاية، وهؤلاء هم الذين يشكلون النسبة الأكبر من عدد المنتحرين بعد عودتهم من أفغانستان فالأهوال التى عاشوها هناك تدفع الكثيرين منهم للانتحار حتى أن عدد الذين انتحروا بعد عودتهم من العراق من القوات الأميركية أكبر بكثير من عدد الذين قتلوا خلال المعارك هناك وقد ذكرت في كتابي معركة الفلوجة تفاصيل دقيقة حول هذا الأمر، بالنسبة للمنتحرين في أفغانستان ففي التقرير الذي نشر قبل عام تقريبا قال الجيش الأميركي ان عدد الجنود الذين انتحروا بعد عودتهم من أفغانستان بلغ 136 جنديا، أما الذين انتحروا في بريطانيا بعد عودتهم فقد زادوا على مائة جندي، أما أعداد المتعاقدين الذين قتلوا فإنها عادة لا تدخل في هذه الحسابات لأنهم مرتزقة لا يحسبون ضمن أعداد الجنود، وتشير تقديرات كثيرة الى أن أعدادهم تفوق أعداد الجنود النظاميين لأنهم عادة ما توكل اليهم المهمات الصعبة من ثم تكون الخسائر عالية بينهم.
أما على صعيد الخسائر في المعدات فقد بلغ حجم خسائر الناتو في المعدات أرقاما كبيرة واعتبرت بالنسبة للأميركان الخسارة الأكبر منذ حرب فيتنام وكانت العملية التى قامت بها طالبان في 14 سبتمبر الماضي حينما أعلن حلف الناتو أن حركة طالبان تمكنت في هجوم شنته على قاعدة باستيون الجوية في ولاية هلمند في أفغانستان من تدمير ست طائرات وتضررت اثنتان بشكل كبير فيما دمرت ثلاث محطات للمؤن واعترف مصدر في الناتو بأنها هذه كانت الخسارة الأكبر التي يتكبدها الناتو منذ دخوله الى أفغانستان، وقد أخذ الهجوم بعدا كبيرا ليس لأنه الخسارة الأكبر للناتو فحسب ولكن لأن الأمير هاري نجل ولي العهد البريطاني يخدم فيها، أما التهديد الأخطر فقد وقع في 21 أغسطس 2012 حينما نجحت حركة طالبان في هجوم شنته على القاعدة الجوية الرئيسية لقوات الناتو في أفغانستان في بجرام من اصابة الطائرة التي يستخدمها رئيس الأركان الأميركي مارتن ديمبسي، حيث أصابوها بشكل مباشر لكن ديمبسي كان محظوظا لأن الطائرة كانت رابضة على الأرض ولم يكن فيها فيما أصيب جنديان كانا بالقرب منها، وقد جاء هذا الهجوم في أعقاب عدة هجمات شنها جنود أفغان يعملون مع القوات الأميركية أسفرت عن مقتل عشرة جنود أميركيين خلال أسبوعين مما دفع الأميركان الى عدم الثقة في الجنود الأفغان الذين يخدمون معهم، وأصبح كل جندي أميركي يعود من أفغانستان محظوظا أنه لم يعد في تابوت أو مصابا بعاهة أو جرح يلازمه مدى الحياة ويجعله يفكر في الانتحار.
هذه الهجمات دفعت الولايات المتحدة أن تتنازل عن كبريائها وتركض وراء طالبان بحثا عن حل فعقدت اجتماعات سرية معهم دون تنسيق أو علم حكومة قرضاي كما أكد لي قرضاي ذلك في الأسبوع الماضي وقد عقدت المباحثات في كل من كيوتو في اليابان وباريس في فرنسا، كما فتحت طالبان مكتبا في قطر لتيسير تلك المباحثات، كل ما يريده الأميركان الآن وقوات الناتو هو أن تكف طالبان عن مهاجمتهم طالما أنهم بدؤوا بالخروج المقرر أن ينتهي بنهاية عام 2014، لكن طالبان تضع يدا على الزناد ويدا على طاولة المفاوضات، أما أميركا والناتو فكل الشعارات التى رفعوها وخدعوا بها العالم في عام 2001 تخلوا عنها الآن وسلكوا طريقا واحدا سبق أن سلكه السوفيات والبريطانيون من قبل هو طريق الهروب الكبير من أفغانستان.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الهروب الكبير من أفغانستان (1)

التالي

مستقبل أفغانستان بعد خروج قوات الناتو

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share