خطوات صناعة الديكتاتور في مصر (2)

حينما سألت اللواء جمال حماد كاتب البيان الأول لانقلاب يوليو عام 1952 وأحد ضباط تنظيم الضباط الأحرار كيف تحول عبد الناصر من ضابط عادي إلى ديكتاتور فقال: كنا ضباطا برتب متوسطة، ننفذ الأوامر ممن هم فوقنا ونصدرها لمن هم أدنى رتبة، وهذه هي التراتبية العسكرية، فجأة أصبحنا نحن الحكام، ولسنا أي حكام بل حكام، مصر أكبر دولة في العالم العربي إذا تكلمت سكت الجميع وإذا أشارت التزم الجميع، ونحن شباب صغار كل شيء أصبح بأيدينا، ومعنى أن تصبح حاكما في دولة ليس فيها قانون يعني أن كلمتك تصبح قانوناً، وطلباتك تصبح أوامر، وأوامرك تصبح مراسيم، الكل يقول لك «تمام يا أفندم»، والكل يدين لك ويتمنى رضاك، فتشعر أنك غير البشر، بل فوقهم جميعا ومهما كانت نفسيتك لابد أن تتغير وأن تتحول شيئا فشيئا من إنسان عادي إلى حاكم يأمر وينهى ثم إلى ديكتاتور يمارس الظلم والفساد دون أن يشعر.
هنا تكون البداية وتترسخ خطوات الطريق إلى الديكتاتورية بمن يحيطون بالحاكم فيصبح أسيرا لمجموعة من الناس هي التي تأتي له بالأخبار وتشير عليه بالتصرفات إن أحسن اختيارهم وجاء من بهم من ذوي الخبرات والأمانة والمعرفة والعلم في كل مجال هم فيه أحسن اتخاذ القرار وعمل الصواب وخدمة الشعب والارتقاء بالأمة، وإن أساء اختيارهم و اقتصر على أهل الثقة والمعارف والأصحاب أو الذين كانوا يشيرون على غيره بالمساوئ زينوا له ما يقوم به إن أحسن أو أساء وتوقفوا عن نصحه وجبنوا عن أن يقولوا له لا، وساعدوه على أن يتخذ القرارات الخاطئة وينحرف بمسار البلاد والعباد إلى منحدر عميق، ومما يقود الحاكم إلى الاستبداد عناده واستبداده برأيه وأن يعتقد أن الله وضع فيه ما لم يضعه في أحد من خلقه، وأنه يرى ما لا يراه الآخرون حتى من مستشاريه المخلصين فيتخبط في اتخاذ القرار وإذا عرض عليه أمر فاستشار اختار الأسوأ وإن قرر اتخذ ما ليس في صالح الناس.
إن المسؤولية التي تلقى على عاتق من يتولى الحكم تقتضي أن يعيش هموم الناس ويكون قريبا منهم بشكل دائم متواصلا معهم ينصت إليهم ويأخذ ما يراه مناسبا ويترك ما يراه خياليا أو مجانبا الصواب، وأن يكون حاسما حازما في غير تكبر ولا استعلاء، ولأن الذين يحيطون بالحكام عادة ما يجيدون صناعة الديكتاتور فإنهم يسعون دائما لعزله عن الناس وألا يكون له مصدر غيرهم من الأخبار أو المعلومات ولأن كل حاكم حوله أجهزة تحيطه علما بما يجري فإنها تريد دائما أن يكون الحاكم أسيرا لها وحدها فتكذب ما يأتي من غيرها من معلومات أو ما يصله من أخبار فيصبح أسيرا لما يمدونه به ولا يتخذ من القرارات إلا ما يدور في إطار ما يقدمونه له وشيئا فشيئا يتحول إلى ديكتاتور دون أن يشعر أو يدرك ذلك، في الدول الغربية نجد الرؤساء حينما يكونون في احتفالات شعبية أو اجتماعات حزبية أو لقاءات جماهيرية يختلطون بالناس ويسلمون عليهم بأيديهم وسط حراستهم دون أن يعزلوه عن الناس وهذا ما كان الرئيس محمد مرسي يفعله في بداية حكمه ولا ينسى الناس له حينما كان في ميدان التحرير ورفع الجاكيت الذي كان يلبسه وقال : أنا لا ارتدى واقيا للرصاص لأن الشعب هو الذي يحميني، في لقاء الدوحة الأمر كان مختلفا رغم أن القاعة كان بها خمسمائة شخص تم اختيارهم بعناية من السفارة المصرية وتم تفتيشهم تفتيشا دقيقا حتى منعوا من الدخول بالهواتف النقالة، جلست مثل أي شخص على مقعد وسط المئات أرقب ما يجري، فوجدت أن خطوات صناعة الديكتاتور تجري على قدم وساق من المؤكد دون أن يدري الرئيس مرسي لكن من حوله يجيدون بدؤوا الخطوات، فالرئيس جاء متأخرا ساعة في الوقت الذي تم فيه التنبيه على الناس أن يأتوا قبل ساعتين من الموعد معنى ذلك أن الناس جلسوا ثلاث ساعات ينتظرون الرئيس وهذا سلوك ديكتاتوري غير مقبول، الأمر الثاني أن مستوى الحضور كانوا من البسطاء لكن معهم كبار العلماء والأطباء و المستشارين والإعلاميين وغيرهم من المصريين الذين يعملون في الدوحة وكان يشرف الرئيس لو مد يده وسلم على عدد منهم، لكن المحيطين به وتصرفات الأمن الرئاسي كانت غير مقبولة دون أن أخوض في التفاصيل، إن لم يفق مرسي وينتبه لتصرفاته سوف يترحم الناس على عبد الناصر والسادات ومبارك.
الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

خطوات صناعة الديكتاتور في مصر (1)

التالي

الهروب الكبير من أفغانستان (1)

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share