التجربة الصينية ونهضة مصر «2»

قام الفلاحون فى الصين القديمة بثورتين وفى كل مرة كانوا يسقطون نظاما ويقوم بعده نظام جديد عادة ما كان ينهى العبودية والمهانة والظلم والتفاوت الطبقى والاجتماعى التى تدفع الناس للثورات، وإلى الآن رغم الفقر والجهل إلا أن عزة نفس أغلبية الصينين عجيبة حتى أن الصينى يمكن أن ينتحر لو تعرض للمهانة ولم يستطع ردها، أسقط الفلاحون فى الصين سلاسة «تشين» عام 206 قبل الميلاد، حيث قامت على أنقاضها سلاسلة هان الغربية التى أسقطتها الثورة الثانية للفلاحين فى العام 8 بعد الميلاد، حيث قامت على أطلالها سلالة هان الغربية الذى أجبرت على خطب ود الفلاحين أولا فقاموا بالحد من أعمال السخرة وخفضوا الضرائب وسمحوا للناس بالتجارة، ومنحوهم الفرصة لاسترداد أنفساهم فنهضت الأمبراطورية الصينية آنذاك وحققت ازدهارا داخليا وانسجاما إثنيا وعلاقات خارجية متميزة، ومما أدى إلى قوة الدولة آنذاك إضعاف نفوذ وامتيازات الأمراء والنبلاء وتعزيز سلطة الدولة، وإقامة واختيار الأصلح من الموظفين، ودعم مشاريع الرى والزراعة وإنتاج وصناعة الحديد، لاسيما يما يتعلق بتجهيزات الجيوش حيث كانت الحروب هى سمة تلك العصور آنذاك، كما ازدهرت صناعة الورق وتقدمت علوم الفلك والطب والرياضيات والجغرافيا والملاحة والعلوم العسكرية والسياسة والاقتصاد والثقافة والشعر والأدب والموسيقى ولقى العلماء والأدباء مكانة رفيعة وتقديرا يحظى بالاحترام حيث كانوا مثل النجوم اللامعة فى تلك الحضارات الزاهرة، ووضعت أسس اللغة الصينية آنذاك التى لازالت مرتبطة بالهان إلى الآن والذين تحولوا من كونهم سلالة حكمت الصين إلى حضارة وإلى إثنية تعتبر الأكبر من بين أكثر من خمسين إثنية وعرقية توجد على أراضى الصين، ولم يكن طريق الحرير الذى ربط بين الصين وأوروبا طريقا للتجارة فقط بل كان طريقا لتبادل العلوم والمعارف والثقافة واللغات والفنون التى كانت قائمة بين الحضارات آنذاك.

لقد أجبرت ثورة الفلاحين الحكام على أن يلغوا الامتيازات والطبقية ويمنحوا الناس الحق فى التملك والمشاركة فى بناء الحضارة وكان الفلاحون أول المستفيدين لكن المجتمع كله تعافى وانعكس الأزهار على الجميع، وقد وقفت خلال الأيام الماضية عند أكبر إنجاز حققته الثورة المصرية وهو أن الفلاح المصرى الذى شارك فى الثورة بقوة كان أول من نجح فى تجاوز هرطقة السياسيين واختلافاتهم وانطلق إلى أرضه يزرعها ويحقق الحلم الذى طالما انتظره المصريون وهو الاكتفاء الذاتى من القمح، حيث وصل إنتاج مصر من القمح هذا العام 2013 حوال عشرة ملايين طن مما يعنى تحقيق ما نسبته 75% من احتياجات المصريين من القمح وهى ربما الأولى التى يتحقق فيها هذا فى تاريخ مصر الحديث وقد جاء هذا بعد ثورة كان للفلاحين دور بارز فيها، بقى على من يحكم أن يحقق شيئين حققهما حكام الصين بعد ثورات الفلاحين هناك هو أن يكون لدى الحاكم رؤية أو يضع القوانين والأنظمة والأصلاحات التى ترسخ العلاقات بين مؤسسات الدولة وبين الناس ثم يختار الحاكم الأكفاء من الناس ليحكم بهم ويمنح الفلاحين والطبقات المحرومة الحق فى التملك والحياة الحرة الكريمة، وقد لاحظت فى تاريخ الصين أن الحكام لم يكونوا بحاجة إلى عشرات السنين حتى يحققوا نهضة أو يجمعوا شتات إمبراطورية، وإنما إذا توفرت الرؤية والأدوات والرجال لم يكن الأمر يحتاج إلا إلى عدة سنوات وهذا ما فعله يانج جيان الذى حكم الصين فى العام 581 للميلاد واستطاع خلال عدة أشهر أن يلحق الهزيمة بالدويلات التى كانت تحكم الصين آنذاك وأن يوحدها تحت حكم قوى، ثم قام بإصلاحات قوية أصبحت الصين بعدها من أقوى الدول نفوذا وأكثرها ازدهارا وقوة آنذاك، فقد سمح ببقاء الثروات فى أيدى الناس بعدما ازدهرت التجارة والصناعة والزراعة إلا أن ابنه الثانى الطامع فى الحكم قتله مع أخيه الأكبر وكان فاسدا وفاجرا وطاغية وسيئ السمعة لم يتحمله الصينيون فثاروا عليه وانهارت إمبراطورية سوى على يديه وقامت بعدها امبراطورية تانج لتنقل الصين إلى مراحلة أخرى من مراحل الحضارات المزدهرة والأمم المضيئة.. نكمل غدا

للمزيد :

Total
0
Shares
السابق

التجربة الصينية.. ونهضة مصر(1)

التالي

التجربة الصينية ونهضة مصر «3 »

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share