الانتحار السياسي للنخبة العلمانية

في الوقت الذي انحاز فيه قطاع من النخبة العلمانية المصرية الى الحكم الاستبدادي الذي كان يحكم مصر طوال الستين عاما الماضية فكانوا سدنة النظام وكتابه ومسوقي استبداده وظلمه وتجاوزاته وفساده في المجتمع ، وكانوا يحصلون مقابل ذلك على المناصب والمنافع، كان هناك قطاع كبير من النخبة العلمانية يرفض هذا النظام اما صمتا في كثير من الاحيان أو عدم قدرة على المسايرة أو ترقبا لتحين الفرص للحصول على المكاسب كما كان بعضهم يقف هذا الموقف بشكل أخلاقي وحينما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير أو قبلها بقليل انحاز عدد غير قليل من النخبة العلمانية الى فئات أخرى في المجتمع رفضت النظام الاستبدادي وشارك كثير من هؤلاء جنبا الى جنب مع باقي فئات الشعب في ثورة الخامس والعشرين من يناير وشكلت خلالها وبعد اسقاط مبارك تجمعات وتكتلات ضمت الاسلاميين الى جوار العلمانيين جنبا الى جنب في محاولات للخروج بمصر من الوضع المزري الذي أوصلها اليه حكم العسكر طوال ستين عاما، وقامت تفاهمات في موضوعات كثيرة الا أنه حينما لاحت لحظة الاستحقاق الانتخابي بدأت مكنونات النفوس تظهر بعدما انحاز الشعب سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو التصويت على الدستور لخيارات أخرى همشت النخبة العلمانية رغم حضورها البارز في كافة وسائل الاعلام الحكومية والخاصة وتحالفاتها القديمة مع النظام الاستبدادي وسرعان ما بدأت النخب العلمانية تنحاز ضد خيارات الشعب المصري لمجرد أنه أعطى ثقته وأصواته للاسلاميين الذين شكلوا ما يقرب من 70% من أعضاء مجلس الشعب المنتخب الذي سرعان ما تم حله ثم بدأت الماكينة الاعلامية لهم تشوه كل شيء وتشن حربا طاحنة ضد كل خيارات الشعب والحكم التي لم تأت بهم وبدا أن كل أطروحاتهم التي تتعلق بالديمقراطية والانتخابات النزيهة والفساد والاستبداد هي أطروحات من أجل تحقيق أغراضهم في أن يتصدروا المشهد ويحكموا قبضتهم على السلطة وليس من أجل اقرارها في بناء الدولة لتمكين الشعب من استرداد مصيره وقراره واختيار من يحكمه، فبدأ تحالفهم السري مع العسكر من أجل الاطاحة بالحكم الذي اختاره الشعب عبر صندوق الاقتراع والدستور الذي حصل على موافقة ما يزيد على ثلثي الناخبين والاستقلال السيادي والسياسي الذي بدأت مصر تخطو نحوه بعدما ظل قرارها مختطفا ومرهونا بمساعدات أميركية تصب في جيوب بعض الفاسدين ولا تأتي بأي مصالح للشعب، وقبلوا أن يقوموا بدور الكومبارس في المسرحية الهزلية التي ظهروا فيها وراء أبطال الانقلاب العسكري ثم بدأ تهافتهم للدفاع عن الانقلاب وتسويقه بحجج وأساليب وبراهين ليست فجة فحسب بل ساذجة ومفضوحة، وقد تطور أداؤهم الى مهاجمة معارضي الانقلاب ثم تبرير قتل المئات وجرح الآلاف منهم في عدة مذابح ثم الدخول في حرب تحريضية علنية على مسيراتهم واعتصاماتهم والمطالبة بفضها بأي ثمن مما أظهر الكثير منهم على حقيقتهم الدموية وأزال عنهم الغلالة الرقيقة التي كانت تسترهم خلال السنوات الماضية فخدعت بعض الناس بهم، ولم يدركوا أن ما يجرى في الشارع المصري ليس تظاهرات واعتصامات لكنها الموجة الثانية لثورة 25 يناير التي دخلت مرحلة الفرز والمفاصلة والمكاشفة فاختار هؤلاء طريق الانتحار السياسي بانحيازهم للعسكر ضد قطاع كبير من الشعب وعرفهم الشعب على حقيقتهم أنهم أعداء للديمقراطية والحرية والعزة والكرامة والعدالة الاجتماعية التي خرج الشعب من أجلها بل انهم محرضون على قتل المختلفين معهم وأيديهم ملوثة بدمائهم، وما يقومون به الآن لن يعفيهم من المساءلة والحساب حينما يفشل الانقلاب.
الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق
ثورة 25 يناير

الحرب النفسية على الموجة الثورية

التالي

أيام الخزي والعار !!

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share