رحلات الموت في المتوسط

اعتصر قلبي حينما شاهدت صور بعض الاطفال الذين راحوا ضحايا رحلات الموت الاخيرة في المتوسط تلك الرحلات التي يقوم بها كثير ممن تقطعت بهم السبل في بلادهم ويبحثون عن حياة يعتقدون انها حرة كريمة في ديار الغربة، اما دموع بعض الناجين وهم يروون قصص البحر الذي ابتلع زوجاتهم او اولادهم امام اعينهم دون ان يستطيعوا إنقاذهم فقد كانت محزنة وصادمة الى حد كبير، ورغم لوم هؤلاء على ما يقومون به لاسيما حينما يصطحبون معهم زوجاتهم واولادهم في رحلات قد يكون الموت فيها اقرب من الحياة الا ان الاوضاع المأساوية التي اوصلتهم الى هذه الحال ومن تسببوا فيها ربما تكون هي الدافع الذي يجعل الانسان في بعض الاحيان يتساوى عنده الموت مع الحياة، كما ان فلسفة كثير منهم انهم يهربون من الموت وليس اليه. اغلبية الضحايا الآن من السوريين الذين طغى عليهم نظام بشار الاسد وشتتهم في اصقاع الدنيا دون مأوى او طعام او شراب، ومن نكد الدنيا عليهم الا يجدوا في بلاد المسلمين سوى الفتات الذي لا يسمن من جوع، وبقايا الملبس الذي لا يحميهم من برد، اما الامن فقد تخلى عنهم منذ خرجوا من قراهم ومدنهم يبحثون عن الحياة، لكن الموت الذي فروا منه في سوريا لاحقهم في البحر المتوسط، وابتلع كثيرا منهم بينما الناجون كانوا يلعقون جراحهم في المستشفيات في مالطا وايطاليا وبعضهم عند الشواطئ التي خرجوا منها لأن تجار الموت الذين يمارسون هذه اللعبة قد قبضوا الثمن ولا يهمهم ان يصل الضحايا او يبتلعهم البحر بل ان بعض التجار يقومون عمدا بالسعي لاغراق المراكب مما يعكس انعدام الانسانية والضمير لديهم. لكن الامر لا يقتصر على السوريين فكثير من المصريين غرقوا على سواحل المتوسط او في قاعه وهم يبحثون ايضا عن لقمة العيش والحياة الكريمة بعدما كان نظام مبارك الفاسد قد استحوذ على كل شيء ولم يترك لهم حتى الاحلام ليحققوها، وحينما قامت الثورة وانتخب الشعب من يحكمه عاد كثير من المصريين الذين تذوقوا طعم الديمقراطية والحرية ليساهموا في بناء بلدهم لكن العسكر لم يتركوا لهم المجال ليكملوا تجربتهم ويحرروا بلادهم من براثن الاستبداد والديكتاتورية، فعاد كثير من المصريين مرة اخرى لمزاولة حرفة رحلات الموت في المتوسط املا في الحصول على حياة حرة كريمة، وقبل ايام غرقت مركب قبالة سواحل الاسكندرية وأدى غرقها الى مقتل معظم الذين كانوا على متنها مما يعني ان المصريين عادوا لمزاولة تجربة رحلات الموت في المتوسط مرة اخرى. وتونس ليست بعيدة عن المشهد فقد رأيت دموع احدى الأمهات التونسيات على شاشة «الجزيرة» قبل يومين وهي تروي قصة ابنها الوحيد الذي ابتلعه البحر في احدى رحلات الموت وهي تخرج كل يوم الى الشاطئ تنتظره حتى الغروب لانها لا تستطيع ان تتصور ان البحر ابتلع ابنها الوحيد وانه لن يعود مرة اخري. اما المغرب فإن القصص فيها لا نهاية لها سواء للمغاربة الذين يقومون برحلات الموت ام للافارقة الذين يعتبرون شواطئ المغرب هي الاقرب لتحقيق حلم الحياة في اوروبا، ورغم ان الذين تكتب لهم الحياة ويصلون الى شواطئ اوروبا لا يجدون شيئا من الاحلام التي كانوا يرجونها وربما يقضون حياة بائسة في ملاجئ اوروبا حتى يتم تسوية اوضاع بعضهم. وتبقى شواطئ ليبيا التي تزيد عن الف كيلو متر على شواطئ المتوسط هي الامل الذي يسعى كثيرون ان تكون رحلاتهم من خلالها، وبالتالي هي التي تحمل اكثر القصص مأساوية في رحلات الموت التي لن تتوقف طالما بقي الظلم والاضطهاد قائما في بلادنا.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

حقيقة اختطاف زيدان

التالي
ديفيد هيرست

ديفيد هيرست : تفاصيل الدور السعودي والإماراتي في محاربة ثورة 25 يناير وإسقاط الرئيس مرسي

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share