منطق الاستبداد الأبدي

يقوم منطق الاستبداد الأبدي على امتلاك الحقيقة المطلقة وسبيل الهداية للبشر وقد ضرب الله سبحانه المثل في ذلك بمنطق فرعون حينما قال «ما أريُكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد» ودائما ما يوجه الاستبداد الأبدي الاتهام لأي محاولة للإصلاح أو الوقوف في وجه الاستبداد بأنه التخريب والافساد أو الإرهاب في منطق مستبدي العصر وقد قال فرعون لقومه «ذروني أقتل موسى وليدع ربه» «إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد» .
وعادة ما يملك الاستبداد قوة غاشمة تطيعه بشكل أعمى ومطلق يسيطر عليهم عبر منحهم الامتيازات والفوائد التي تجعلهم يحيطون به ويدافعون عن مصالحهم في الوقت الذي يدافعون فيه عن الحاكم المستبد، فيكونون يد الاستبداد الباطشة في وجه كل من يقف ضده، ولذلك لم يبرئ الله سبحانه وتعالى هؤلاء الجنود من الجريمة والاتهام فقال «إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين».
ضرب الله سبحانه وتعالى منطق استبداد فرعون مثالا تكرر ويتكرر في الكون على مر العصور والأزمان وحتى لا نذهب بعيدا فلو بقينا في العقد الأول من القرن الحالي ووقفنا عند الاستبداد الذي جعل الرئيس الأميركي جورج بوش الابن يرسل جيوش «الحملة الصليبية» كما أطلق عليها في أحد خطاباته إلى أفغانستان وبعدها للعراق نجدها قامت على هذا المنطق القائم على التضليل وهو المنطق نفسه الذي يقوم على أن هدفه هو إنقاذ الكون من الإرهاب والحفاظ على الأمن والسلم العالمي وفي عبارات فضفاضة واسعة فجة يقود العالم إلى حرب أطلق عليها كثير من المحللين مسمى «حرب الأشباح» حيث انتهى زمان بوش دون أن يتمكن من القضاء على الإرهاب الذي سماه بل أخفق وأخفقت قواته في أفغانستان والعراق بعد حرب كلفت الاقتصاد الأميركي والاقتصاد العالمي المرتبط به تريليونات الدولارات، غير أن منطق الاستبداد هذا عادة ما يعتمد على التضليل، لذلك لم تكن مفاجأة أن يتم اكتشاف وجود «وحدة التضليل الإعلامي» في وزارة الدفاع الأميركية التي كان دورها التضليل الخارجي ووحدة «النفوذ الاستراتيجي» التي كان دورها التضليل الداخلي فكانت فضيحة لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد لكنها لم تؤثر على مشروع الاستبداد ومنطقه القائم على الخداع و الأكاذيب، لو انتقلنا بالمشهد إلى مصر نجد أن منطق بوش هو نفس المنطق الذي استخدمه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي وهو منطق التضليل عبر سلاح الإعلام ثم منطق طلب التفويض لمواجهة ما سماه «الإرهاب المحتمل» ثم يقوم هو بممارسة الإرهاب والقتل تحت بند التفويض الذي حصل عليه من السفهاء والمخدوعين وأصحاب المصالح والذين لا يرون إلا ما يرى ويعتقدون أنهم يهديهم إلى سبيل الرشاد، وحتى ينفذ مشروعه الاستبدادي لابد أن يضع يده في يد قوى الشر التي تدعمه وترسخ أركان نظامه لذلك ليس عجبا أن نرى في الإعلام الإسرائيلي نقلا عن مسؤولين إسرائيليين وفي السياسة والإعلام الأميركي دعما مطلقا لنظام السيسي، إن محاولة السيسي تطبيق منطق الاستبداد الأبدي من حيث الخداع وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة والحرب على الإرهاب سيحقق فشلا ذريعا كما حقق كل المستبدين من قبله «ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا».

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

حرفة تزوير الانتخابات والاستفتاءات

التالي
أحمد المستيري

أحمد المستيري ج 8: انقلاب زين العابدين بن علي على بورقيبة.. والمؤامرة على الثورة التونسية

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share