حرفة تزوير الانتخابات والاستفتاءات

«99,9 % انتخبوا جمال عبد الناصر رئيسا للجمهورية» كان هذا هو العنوان الرئيسي لصحيفة الأخبار المصرية في عددها الصادر عن نتائج أول استفتاء في تاريخ الشعب المصري، حيث نقل عبد الناصر مصر من دولة ديمقراطية تجري فيها الانتخابات بشكل شفاف وحر وتتبدل فيها الحكومات حسب نتائج الانتخابات إلى دولة استبدادية لا تعرف إلا نعم في الاستفتاءات وبنسبة 99 %.
أما نفس الصحيفة الأخبار ففي إعلانها عن نتائج استفتاء انتخاب جمال عبد الناصر رئيسا في شهر مارس عام 1965 كان عنوانها لا يختلف كثيرا عن عنوان استفتاء 1956 حيث كان «آخر نتائج الاستفتاء أكثر من 6ونصف مليون قالوا نعم، 65 شخصا قالوا لا» وصحيفة «الأهرام» لم تختلف كثيرا عما ذكرته الأخبار فقد كانت عناوين الأهرام «نتيجة الاستفتاء تفوق كل التصورات» الجماهير في اجماع شبه كامل تعطي عبد الناصر ثقة لم يسبق لها مثيل : 99,9 % نسبة الاشتراك في الاستفتاء حققت رقما قياسيا رائعا : 98 % عدد من قالوا نعم : 6,847,014 أما الذين قالوا لا فقط : 32.
هذه هي أشكال التدليس التي استخدمت فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي تعود بنفس أشكالها بعد ستين عاما، وقد تناسى الذين يقومون بها أننا في عصر آخر.
عرفت مصر بعد انقلاب يوليو عام 1952 خمسة وعشرين استفتاء، حيث كان عبد الناصر لا يجري انتخابات ومن الذي يجرؤ على أن يدخل انتخابات ضد الزعيم الملهم والأوحد ؟ فقط مرشح واحد واستفتاء هل تقبل عبد الناصر رئيسا أم لا ؟ وكان كل شيء يزور بعلم عبد الناصر وتحت رعايته.
فقد قضى عبد الناصر أربع سنوات يهيئ فيها الشعب لولادة الزعيم الجديد فلم يكن أحد قبل 23 يوليو 1952 يعرف من هو جمال عبد الناصر، وكان عليه أن يتخلص من جميع القوى السياسية التي ساندته بل ومن زملائه سواء في مجلس قيادة الثورة أو الضباط الذين كانوا يطالبون بالعودة للثكنات، وفي 23 يونيو عام 1956 كان قد محا دستور العام 1923 الذي كان ينظر إليه كواحد من أهم الدساتير التي صدرت في تاريخ مصر في ذلك الوقت وأعد دستورا على قياسه تماما مثل الدستور الذي أعده السيسي على قياسه ودعا الشعب للاستفتاء على الدستور وعلى رئاسته لمصر وحصل على النسبة غير المسبوقة، وهي 99,9 %، وفي 15 مارس عام 1965 كرر اللعبة مرة أخرى وحاز على نفس النسبة بنفس الطريقة، وكذلك كان يجري التزوير في الانتخابات التشريعية التي تجري وأصبح هناك محترفون في تزوير الانتخابات على مر العصور فالذي كان يفعله عبد الناصر فعله من بعده السادات وحسني مبارك ولم يعرف الشعب النسبة الحقيقية إلا بعد ثورة 25 يناير من خلال خمسة استحقاقات انتخابية واستفتاءات حقيقية خرج الشعب وكانت النسبة فيها متفاوتة لكنها كانت تعكس حقيقية ما يجري، بعد انقلاب السيسي عادت لعبة التزوير مرة أخرى وعادت نفس الجوقة التي تعزف ألحان النسب غير المسبوقة وتمت إعادة بعض محترفي التزوير من التقاعد حتى يمارسوا حرفتهم التي يجيدونها باحتراف بالغ، وعادت إرادة الشعب لتزور مرة أخرى بانتظار ثورة أخرى تعيد للشعب إرادته وتصويته في الانتخابات بنزاهة.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

أحلام إسرائيل التي كانت مستحيلة

التالي

منطق الاستبداد الأبدي

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share