ألغام بول بريمر

لم يدخل الاحتلال الأميركي أو البريطاني أو الفرنسي أو الغربي بشكل عام إلى دولة من دول المنطقة دون أن يترك ألغاما متفجرة في بنية المجتمع والدولة تظل حائلا دون حدوث الاستقرار لعقود وربما قرون طويلة، فحينما خضعت معظم الدول العربية للاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي والإسباني لم تخرج هذه الدول دون أن تترك خلافات عميقة داخل المجتمعات التي احتلتها وكذلك مشاكل حدودية مع كل جيرانها.
لكن الاحتلال الأميركي للعراق وضع ألغاما أعمق فقد بنى الحاكم الأميركي السابق للعراق بول بريمر استراتيجية الاحتلال في إدارة الدولة على التقسيم الطائفي، ووجد تجاوبا من القوى السياسية التى تعاونت مع الاحتلال آنذاك فقد رأت المجموعات السياسية القائمة أن هذا يخدم توجهاتها وأهدافها وكانت خطة بريمر قائمة على منح الأكراد والشيعة الكعكة الأكبر بحيث يترك السنة الذين حكموا العراق لعقود طويلة في دائرة الاستضعاف والتشتت، وهذا ما حدث بالفعل، فالسنة كانوا هم المعارضين الأساسيين للاحتلال وهم الذين قادوا المقاومة المسلحة ضده وهم الذين أجبروا الأميركيين على الخروج من العراق بعدما كبدوهم خسائر فادحة ولم تكن معركة الفلوجة الأولى في شهر إبريل من العام 2004 والتي قهر فيها الأميركان وكانت السبب الرئيسي في تفكيرهم في الخروج إلا صورة من صور إذلال الأميركان وهزيمتهم في العراق لذلك قرر بوش أن ينتقم من الفلوجة في المعركة الثانية في شهر نوفمبر والتي استخدم فيها أسلحة محرمة دوليا يدفع أهل الفلوجة ثمنها حتى الآن في صحتهم وفي المواليد المشوهة لهم، وحينما قرر الأميركان الخروج من العراق رتبوا أوراقهم وتدفق النفط إليهم وأن يكون لهم حلفاء أقوياء يحكمون ويحققون لهم أهدافهم وهذا ما حدث بالفعل حيث يعتبر نوري المالكي الحليف الأقوى لهم، وحينما تساءل كثيرون عن سر الدعم الأميركي للمالكي في ظل أنه رجل إيران القوي أيضا في العراق اتضح أن الأميركان والإيرانيين متوافقون على إدارة المشهد في العراق حيث يأخد كل طرف منهما استفادته ويحقق مصالحه عبر المالكي الذي قرر أن يكون رجل الطرفين المرضي عنه.
الألغام التي وضعها بول بريمر جعلت الأكراد يقيمون دولتهم في الشمال بلغتها واقتصادها وعلمها وحكومتها دون أن تكون بحاجة إلى بغداد، وجعل الشيعة يسيطرون على الجيش و الشرطة والأمن وإدارة الدولة وهمش السنة في كل شيء وتمت تصفية خيرة أهل السنة من العلماء والأطباء والمهنيين خلال السنوات الماضية وقد لعب تفرق كلمة السنة وعدم وجود قيادة موحدة قوية لهم دورا في نجاح ألغام بريمر في تحقيق أهدافها، وقد بقي الحال على ما هو عليه حتى دخل عموم أهل السنة إلى المشهد في ديسمبر من العام 2012 عبر انتفاضة المحافظات السنية الخمس والاعتصامات في محافظات الأنبار وصلاح الدين، لكن المالكي قرر في ديسمبر الماضي ومع مرور عام على هذه الاعتصامات أن يشن حربا على السنة من خلال ادعائه بالحرب على الإرهاب و القاعدة وداعش، الفلوجة التي هزمت بوش وجنوده محاصرة الآن بجنود المالكي الذي ينتقم منها لمعركتها القديمة، لكن ما يجري الآن في العراق ليس سوى انفجارات لألغام بول بريمر التى ستبقى تؤذي العراقيين لعقود طويلة.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

احتراف الهبل الإعلامي

التالي

فيلم السيارة المفخخة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share