الرقص على دماء الشعب

في الوقت الذي كانت فيه الفرق الراقصة التابعة لسلطات الانقلاب في مصر تجوب بعض الشوارع والميادين برقصاتها كانت قوات الجيش والشرطة تطلق الرصاص الحي على الحشود التي خرجت في ميادين مصر وشوارعها الأخرى معارضة للانقلاب ومطالبة بالعودة إلى روح ثورة الخامس و العشرين من يناير.
نجح الانقلابيون والثورة المضادة والدولة العميقة في مصر في تحويل وحدة الشعب المصري في الخامس والعشرين من يناير 2011 إلى انقسام خطير في الخامس و العشرين من يناير 2014، لم يستغرق الأمر كثيرا من الوقت حيث اكتفت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 بإزالة رأس النظام بينما بقيت السلطة كل السلطة في يد المجلس العسكري ومنظومة نظام مبارك فحافظوا عليه مع مجاراة الشعب في الشكليات التي تمثلت في الانتخابات التي تم إلغاء كل نتائجها بما فيها انتخابات رئاسة الجمهورية والاستفتاءات التي تم إلغاء كل نتائجها بما فيها الاستفتاء على دستور 2012، وقسموا الشعب نصفين «إحنا شعب وانتو شعب» شعب يرقص في الشوارع وشعب يقتل ويسحل فيها.
لقد أخطأت كل القوى السياسية والحركات الشبابية حينما خرجت من ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير 2011 مكتفية بإسقاط مبارك بينما بقيت كل منظومته الحاكمة وعلى رأسها المجلس العسكري تحكم البلاد، وكل ما قام به المجلس العسكري طيلة عام ونصف العام من الحكم أنه كان يعطي مسكنات للقوى الثورية بعد كل مليونية دون أن يكون لهذا الأمر أي تأثير على تغيير خريطة الحكم أو مواقع النفوذ وكانت الإعلانات الدستورية التي يصدرها المجلس العسكري كفيلة بأن تبقي السلطة وكل مقوماتها بين يديه حتى بعد انتخاب المجلس التشريعي والرئيس، وأخطأت القوى السياسية خطأ فادحا آخر حينما لم تدرك أن الثورة معناها إزالة النظام القائم وليس إصلاحه، فالثورات تعني التغيير التام والشامل، والثورة المصرية لم تقم بأي تغيير والدليل على ذلك أن المجلس العسكري طيلة عام ونصف العام من الحكم لم يعين مسؤولا واحدا في منصب وزاري أو تنفيذي كبير ينتمي للثورة أو شبابها وإنما كان كل الذين عملوا في الحكومة هم رجال نظام مبارك وكأن ثورة لم تقم، واكتفت القوى السياسية والثوار بالانتخابات التشريعية وبرلمان محاصر لم يحترمه أحد ولم يصدر تشريعا واحدا ينظف فيه المؤسسات الفاسدة في الدولة وعلى رأسها القضاء والشرطة وقيادة الجيش حتى صدر حكم قضائي من محكمة عين مبارك كل قضاتها بحله، كما أن الرئيس المنتخب لم يدرك أنه رئيس جاءت به ثورة فلم يكن ثوريا في قراراته أو مخططاته، ووضع ثقته في المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيسه عبد الفتاح السيسي الذي أطاح به لأنه لم يؤمن أنه رئيس جاءت به ثورة وأنه كان يجب أن يطهر مؤسسات الدولة لأنه لن يستطيع إصلاحها، لقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن بسبب غفلة الثوار وخلافاتهم وقبولهم بالقشور وعدم إدراكهم أن الثورات تعني التغيير الشامل وليس الإصلاح الجزئي.
الشعب قرر أن يستعيد ثورته لكن الثمن باهظ والانقلابيون لن يسلموا بسهولة والخيار الأول لديهم الآن هو إطلاق الرصاص والقتل لم يعد يعنيهم لأنه أصبح مجرد أرقام تزيد كل يوم ومن ثم أصبحت تكلفة الثورة باهظة لكنها لابد أن تستكمل وإلا بقي العسكر على رقاب الشعب ستين عاما أخرى.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق
محمد محسوب

محمد محسوب ج1 : خطة المجلس العسكري لإجهاض ثورة يناير 2011 

التالي

تفجيرات «1954» و«2014» بين عبد الناصر والسيسي

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share