الحج إلى الكنيسة المصرية

منذ قام عمرو بن العاص بفتح مصر قبل اربعة عشر قرنا والمسيحيون يعيشون الى جوار المسلمين في مصر جنبا الى جنب اخوة متحابين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، حيث بقيت الكنائس كما هي لم يمسها احد ومن يذهب الى مصر القديمة يجد الكنائس القديمة التي بنيت قبل دخول الاسلام مصر كما هي الى جوار المساجد، وقد كان للمسيحيين المصريين كما للمسلمين دور في كل شيء حتى كان منهم رئيس الحكومة والوزراء والمسؤولون في كافة قطاعات الدولة.
غير ان العسكر حينما حكموا مصر بعد انقلاب العام 1952 غيروا تلك المعادلات واصبحوا يستخدمون الاقباط في التوازنات التي يسيطرون بها على مقاليد الحكم في البلاد، حتى جاء البابا شنودة الذي بقي في رئاسة الكنيسة المصرية ما يقرب من اربعين عاما حيث دخل في سجالات مع السادات ومبارك من اجل وضع الاقباط على الخريطة السياسية للبلاد، ووقعت ازمات كان من ذروتها اعتكاف البابا في وادي النطرون خلال احداث العام 1981 حينما ألقى السادات القبض على المئات من معارضيه، لكن الوضع خلال حكم مبارك تغير حيث كان ابناء مبارك يزورون البابا في علاقات بدت كأنها حميمية على اعتبار أن اخوالهم مسيحيون حيث ان ام زوجة مبارك مسيحية بريطانية تعود الى اصول مالطية، وكان هذا من اسباب اهتمام حزب العمال البريطاني بتدريب جمال مبارك على ادارة الدولة من خلال فترات قضاها في بريطانيا حينما كان والده يؤهله لخلافته في رئاسة مصر من بعده.
بعد ثورة 25 يناير التي شارك جزء من المسيحيين فيها الى جوار المسلمين بينما بقيت الكنيسة بقيادتها وكثير من اتباعها في حالة ترقب قررت الكنيسة في النهاية الانحياز الى النظام السابق وفلوله، وكان الدعم الكنسي للمرشح احمد شفيق في الانتخابات الرئاسية معلنا وواضحا، ولم يتمكن الاخوان من انتزاع مخاوف المسيحيين التي كان الفلول يدعمونها بشكل كبير ويعملون على تقويض التجربة الديمقراطية التي كانت الثمار الاولى للثورة المصرية، ودفع فلول مبارك الكنيسة حسبما جاء في كثير من التحليلات الى ان تطلب من اثيوبيا التي تتبع الكنيسة المصرية الى استخدام فزاعة سد النهضة لتقويض حكم محمد مرسي، وبدأت استقبالات البابا تواضروس للمرة الاولى في تاريخ الكنيسة تصل الى استقبال مسؤولين عرب وأجانب ممن يزورون مصر حيث اصبحت زيارة الكنيسة على جدول الكثيرين لاسيما الدول التي دعمت انقلاب السيسي على التجربة الديمقراطية في مصر، وظهر مسؤولون ينتمون لدول خليجية في صور مع البابا بلباسهم الخليجي لأول مرة، واستقبل البابا مسؤولين غربيين على مستوي وزراء وموفدين رسميين وأصبح السياسيون المصريون يتوافدون على الكنيسة في مناسبة وغير مناسبة غير ان مناسبة عيد القيامة التي مرت هذا الاسبوع كانت فرصة لرصد حج وليس زيارات الكثيرين الى الكنيسة والبابا بدأها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ثم بعدد هائل من الوزراء والسياسيين بينهم وزير الاوقاف كل منهم يقدم فروض الطاعة والولاء للبابا في شكل غير معهود ولا مسبوق في السياسة المصرية وكأن البابا اصبح شريكا في حكم مصر ومن اراد ان يبحث عن موقع له في الحكم عليه ان يبدأ بالكنيسة والبابا.
الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

فوز رئاسي مخيب للآمال

التالي

العزل السياسي بين ثورتي مصر وتونس

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share