العزل السياسي بين ثورتي مصر وتونس

لا تقوم الثورات من أجل الإصلاح وإنما من أجل القضاء على نظام فاسد وإقامة نظام آخر أكثر عدالة مكانه، وأي ثورة لا تقوم بذلك فلا يجب أن تسمى ثورة وإنما يمكن أن تسمى انتفاضة أو محاولة إصلاح أو غير ذلك من الأسماء التي تنطبق على النتائج، لذلك فإن ثورة 25 يناير في مصر أو التي قبلها في تونس لم تنجح حتى الآن في أن تصل لمستوى الثورة، على خلاف ما حدث في ليبيا الذي يعتبر بداية ثورة لأنها نجحت في إزالة رؤوس النظام وإن لم تنجح حتى الآن في إقامة نظام بديل. ومسيرات الثوارات لا تنقضي في يوم وليلة وإنما تستمر أعواما وأعواما حتى تصل لمرحلة الاستقرار والانطلاق لتحقيق الأهداف التي قامت الثورة من أجلها والثورات غالبا ما تقوم ضد أنظمة مستبدة ظالمة وتسعى لاقامة نظام عادل يقوم على المساواة والعدالة الاجتماعية، وهي أهداف لا تتحقق أيضا في يوم وليلة، وقد نجحت الثورة في كل من تونس ومصر في إزالة رأس النظام في تونس حيث هرب زين العابدين بن علي وفي مصر أزال العسكر قائدهم حسني مبارك، لكن الذي حكم في كلتا الدولتين كانوا رجال بن علي في تونس ورجال مبارك في مصر ورغم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في كل من مصر وتونس جاءت برئيسين ينتميان إلى المعارضة إلا أن رجال مبارك في مصر وبن علي في تونس ظلوا يمسكون بمفاصل الدولة مما جعل المنتخبين في كلا البلدين لا يستطيعون تحقيق المهام التي انتخبوا من أجلها فتعثرت مسيرة الثورة في مصر وعجز الرئيس المنتخب عن القيام بمهامه بل وانقلب عليه العسكر في النهاية وسيطروا على مقاليد الحكم في البلاد، أما في تونس فقد فشلت حركة النهضة في البقاء في الحكم تحت الضغوط كما فشلت في إدارة الدولة وهي في السلطة واضطرت في النهاية أن تتراجع للوراء وأن يعود رجال بن علي للواجهة مرة أخرى، في مصر وقبل الاطاحة بمرسي تم تشريع قانون العزل السياسي وحل الحزب الوطني الحاكم إلا أن المحكمة الدستورية التي كان يديرها قضاة مبارك أبطلوا قانون العزل السياسي ثم صدر حكم بعد الانقلاب يعيد الحزب الحاكم ورجاله للسلطة وكأن الثورة لم تقم، والآن يجري في تونس نقاش حول قانون العزل السياسي الذي من المفترض أن يتضمنه قانون الانتخابات الذي يجري مناقشته الآن في المجلس التأسيسي والمقرر أن يصدر قبل نهاية هذا الشهر لتحديد موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل نهاية العام حتى تخرج تونس من هذا الوضع المؤقت الذي يؤدي إلى انسداد في الأفق السياسي والاقتصادي للبلاد، لكن القوى الرجعية والنظام القديم والدولة العميقة تشن هجوما كبيرا على قانون العزل السياسي وتعتبره «فتنة» إذا صدر لأنه سوف يحرم هؤلاء من ممارسة الحقوق السياسية ليس إلى الأبد وإنما لفترة محدودة بعدما شاركوا في إفساد الحياة السياسية في البلاد طيلة العقود الستة الماضية، ولأن هؤلاء لازال لهم نفوذ واسع داخل مؤسسات الدولة وعلي رأسها الاعلام والقضاء والأجهزة الأمنية فإنهم سوف يسعون لعرقلة القانون وإذا لم ينجحوا فإنهم سوف يسعون لعرقلة الانتخابات نفسها حتى تبقى تونس رهينة لهم كما أصبحت مصر رهينة للعسكر فهل ينجح الشعب التونسي في إنقاذ ثورته من أيدي هؤلاء أم أن السيناريو المصري يمكن أن يتكرر في تونس ولكن بشكل آخر؟
الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الحج إلى الكنيسة المصرية

التالي

كاميرون يدمر بريطانيا!

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share