القتل بدم بارد : أكبر جرائم الشرطة المصرية على مدى عقود

نشر المقال فى 9 أكتوبر 2016

التقيت في العام 2010 مع أحد المديرين في إحدى الشركات التي قصدتها لقضاء مصلحة في مصر، وبعد حديث آنس الرجل فيه لي، أخبرني أنه كان يعمل ضابط شرطة قبل انتقاله للعمل في تلك الشركة، غير أنه استقال وقرر أن يترك عمله في الشرطة ليلتحق بوظيفة مدنية، فسألته عن السبب؟.. أخذ نفسا عميقا ثم قال لي: السبب أني دخلت الشرطة حتى أحافظ على أمن الناس وإذا بي أتحول إلى قاتل أرتكب الجرائم شأني شأن عصابات الإجرام التي من المفترض أن الشرطة تلاحقها، قلت له: كيف؟ قال: نقلت للصعيد نهاية التسعينيات من القرن الماضي وكانت وقتها الجماعات الإسلامية على خلاف مع الدولة، وكانت مهمتنا تقتضي أن نلقي القبض على هؤلاء ليقدموا للمحاكمات، فيتم إدانة المتهمين منهم وتبرئة من لا يثبت عليهم جرم، ومع حق الشرطة أن تطلق النار على من يقاومها بالقوة، فقد فوجئت أننا نهاجم أناسا غير مسلحين وآمنين في بيوتهم أو حتى خارجها، ليس بهدف القبض عليهم وإنما قتلهم وهم عزل من أي سلاح أو مقاومة، ثم نأتي بالأسلحة والصور ونقوم بفبركة كل شيء تحت رعاية النيابة التي هي شريك أساسي برجالها في هذه الجرائم، حينما وقع الأمر أول مرة بقيت مذهولا وكأني أشاهد فيلما، فقد قيل لنا أننا سنهاجم مسلحين ثم فوجئت بأننا نهاجم أناسا غير مسلحين وكانوا نائمين في بيوتهم فقتلهم زملائي بدم بارد، وحينما أبديت اعتراضا، طلب مني أن أسكت، ثم شاهدت باقي قصة الفبركة تجري بتصويرهم بالسلاح وترتيب كل شيء مع النيابة، بقيت في البداية ثلاثة أيام لا أستطيع النوم، فأنا من عائلة تعرف الحرام والحلال، وكنت إذا دخلت إلى الصلاة استحيت من ربي ماذا أقول وأنا شريك في عملية قتل لأناس بسطاء أو على الأقل صامت على الجرم، تكرر الأمر عدة مرات، فأصبت بحالة نفسية، وصرت أتمارض عند كل تكليف، وأصبت بأرق وعدم قدرة على النوم ثم انتابتني حالة من الرعب حينما سمعت عن جزاء من يقتل مؤمنا متعمدا ونحن نمارس القتل العمد لأناس بسطاء لا يقاوموننا ثم ننسج الأكاذيب، فقد كانت الشرطة في حالة ثأر مطلقة ليس مع القتلة الذين ربما قتلوا بعض ضباط الشرطة من زملائهم ولكن حالة ثأر مطلقة مع الشعب، دخلت في حالة من الصراع النفسي حول مستقبلي المهني وحول ضميري وحياتي لاسيما وأن جرائم القتل والتعذيب لا تسقط بالتقادم، وقد سبق أن فتحت ملفات كثيرة لضباط شرطة مارسوا القتل حتى وإن تواطأ القضاء معهم فإنهم جلبوا العار لأنفسهم وعائلاتهم وأبنائهم ولم ينج أحد منهم من الانتقام الرباني وعذاب الضمير، بعدها قررت الاستقالة وكنت برتبة نقيب وهآنذا لم يفارقني عذاب الضمير على ما شاركت فيه.
تذكرت هذه القصة حينما قرأت مساء الإثنين الماضي عن إلقاء الشرطة المصرية القبض على الدكتور محمد كمال الأستاذ بكلية الطب وعضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين ومعه الدكتور ياسر شحاتة، ثم بعد ساعتين قاموا بقتلهما، وأعلنوا أنهما قتلا في تبادل لإطلاق النار.. إنها جرائم الشرطة التي تتكرر منذ بداية عهد الفساد والاستبداد في مصر.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الذكرى الأولى للاحتلال الروسي لسوريا

التالي

هل نائب المرشد العام إبراهيم منير عميل لأمن الدولة؟

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share