الذكرى الأولى للاحتلال الروسي لسوريا

نشر المقال فى 5 اكتوبر 2016

لم يكن قرار فلاديمير بوتين بالتدخل العسكري في سوريا قبل عام من الآن قراراً عشوائياً، بل كان قراراً مدروساً من رجل استخبارات سابق يتميز بشخصية عديمة الإنسانية تعتمد حساباتها علي الجوانب المادية دون أي اعتبارات أخرى، وقد كان لبوتين عدة أهداف من وراء هذا التدخل حقق في الظاهر أغلبها ومن أهمها أنه حافظ من الناحية الشكلية علي نظام الأسد الذي كان علي وشك الانهيار وجعله جزءاً من أي حلول مستقبلية، كما أنه حافظ علي النظام الإيراني الذي كان يعاني من هزيمة ساحقة في سوريا وكانت الطائرات التي تحمل نعوش القتلى الإيرانيين لا عدد لها، كما أنه تجاوز ذلك إلى رفع الحظر الأميركي عن إيران الذي استمر منذ العام 1979 وحتى الآن، كما أعاد إيران للحظيرة الدولية، والأهم من نظام الأسد وإيران أنه استعاد علاقته بقوة مع إسرائيل وأمدها بالحبل الروسي الذي يقوي ظهرها حال أي ضعف ينتاب الحبل الأميركي الأوروبي في دعمها، ومن الناحية الاستراتيجية أعاد روسيا بقوة للمياه الدافئة والبحر المتوسط وأصبحت البارجات والسفن الحربية الروسية تتجول بحرية في البحر المتوسط وتقف قبالة السواحل السورية كأنها جزء من الأراضي الروسية، كما أنه أقام عدة قواعد عسكرية في سوريا جوية وبحرية وبرية تؤكد أنه جاء للمياه الدافئة ليبقى، وليس من أجل إقامة عابرة، وهذا يعني أنه يقول للولايات المتحدة التي خففت وجودها في المنطقة لصالح مناطق جديدة في بحر الصين الجنوبي وآسيا الوسطي إنني أصبحت داخل العمق الاستراتيجي للمصالح الأميركية ولذلك هرع كثير من الزعماء العرب لزيارة روسيا، ومن الناحية الدبلوماسية فقد عرى بوتين السياسة الأميركية الغربية وأثبت ضعفها وترددها وضبابيتها، بل وخيانتها لكل من ارتضى بها أو وثق في وعودها، ومن الناحية التكنولوجية فقد قام بوتين باستخدام كل ما استحدثته الترسانة العسكرية الروسية من أسلحة محرمة وجعل الشعب السوري حقل تجارب لفظائعه لثقته المطلقة أنه لن يحاسبه أحد على جرائمه أو يسائله أحد من البشر حتى الآن عما يرتكب من فظائع، فخلال عام كامل أسقط بوتين عشرات الآلاف من الأطنان من القنابل والأسلحة والذخائر على المدن السورية، كما استخدم صواريخ أطلقها من مسافات بعيدة بعضها من داخل روسيا؛ فأباد أحياء ومدناً وقرى بكاملها، وحولها إلى ركام سيظل شاهداً على جرائمه بحق الإنسانية، كما قتل وجرح وشرد مئات الآلاف وما وثقته الكاميرات على فظاعته وبشاعته لا يزيد على واحد في المائة من حقيقة ما يجري على الأرض.
وفي المقابل فقد خسر بوتين مئات الملايين من الروبلات وبعض الطائرات والقتلى والجرحى، لكن الحاكم المستبد لا ينظر لهذه الخسائر ولا تدخل في حساباته، كما أن كل هذه المكاسب هي مكاسب آنية ومن الممكن أن تتغير معادلات الحرب في أي وقت؛ فقد حارب الروس أحد عشر عاماً في أفغانستان ثم خرجوا مهزومين، وإذا حصل ثوار سوريا علي بعض الأسلحة النوعية لتغيرت المعادلة كلها، وهذا ما أتوقعه في أمد قريب.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

«روسيا اليوم» الذراع الضاربة لبوتين «2 »

التالي

القتل بدم بارد : أكبر جرائم الشرطة المصرية على مدى عقود

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share