ترامب وصدمة الغرب

نشر المقال فى 13 نوفمبر 2016

لم يكن تصريح وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين صباح الأربعاء الماضي 9 نوفمبر فور الإعلان عن فوز دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية بأنه «صدمة كبيرة» تصريحا فارغا أو تعبيرا عن الموقف الألماني وحده، وإنما كان تعبيرا حقيقيا عن الصدمة التي شعرت بها أوروبا والغرب عامة لفوز دونالد ترامب، فمنذ الحرب العالمية الثانية هناك ثوابت تجمع الولايات المتحدة بأوروبا والدول الغربية من أهمها هو تعهد الولايات المتحدة بحماية تلك الدول مقابل تبعية هذه الدول للولايات المتحدة وتأييدها لسياساتها دوليا والمشاركة في كل تحركاتها السياسية والعسكرية، وهذا ما كان يجري طوال العقود الماضية الآن جاء رئيس أميركي خارج سياق المنظومة السياسية التي تحكم الولايات المتحدة والغرب منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، جاء رجل استخدم النظام السياسي والانتخابي من خلال أمواله ليصل إلى حكم أكبر دولة في العالم، وكان في كل يوم خلال الحملة الانتخابية يسبب صدمة وأخرى هناك من خلال تصريحاته المتطايرة، غير أن الجميع كان على ثقة بأن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون هي القادمة معتمدين على استطلاعات الرأي والدعم الإعلامي والسياسي الذي كانت تحظى به هيلاري في وسائل الإعلام الأميركية، لذلك لم يعبأ أحد من السياسيين الغربيين ويكلف نفسه بالرد على تصريحات ترامب التي كانت تتطاير في كل الاتجاهات خلال الحملة الانتخابية، ومنها ما يتعلق بحلف شمال الأطلسي وعدم دفاع الولايات المتحدة عن أي دولة لا تدفع حصتها والمستحقات المالية المتوجبة عليها نظير عضويتها في الحلف، فالرئيس الجديد جاء من خلفية رجل أعمال قضى حياته يحسب كل شيء بالمكسب والخسارة، وأثبت في المناظرات والحوارات أنه أجهل من الدواب في معرفته بالسياسة الدولية وتعقيداتها وتشابكاتها، فالنظام السياسي الأميركي الذي يسمح لمن يملكون الأموال أن يمولوا السياسيين بدءا من أعضاء مجالس القرى والولايات والكونغرس وحتى رئاسة الدولة مقابل وعود بتلبية طلباتهم، هو الذي سمح لرجل يملك المال أن يصل لكرسي الرئاسة لينفذ من خلاله ما يراه وليس ما تراه مراكز القوى المالية والشركات التي تدعم الرؤساء ثم تبقيهم رهائن لمصالح تلك الشركات، لن يتوانى ترامب عن تدمير منافسيه في مجال المال ولن يتوانى في سحب دعم الولايات المتحدة لمن لا يدفع، ولن يتوانى في تصعيد الشعبوية العنصرية البيضاء التي لا ترى أي جنس أو لون أو دين آخر سوى نفسها وكل ما تفكر فيه هو الإطاحة بالآخر أو يبقى تحت سلطان الولايات المتحدة، التي بدأت في الانكفاء على نفسها بعد جورج بوش وقام أوباما بخطوات كثيرة في هذا المجال، لكن ترامب سوف يسرع من خطوات الانكفاء، وبالتالي فإن النظام العالمي الذي وضعته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية فعلا في خطر وتعبير الأوروبيين عن مخاوفهم هو تعبير حقيقي وليس مصطنعا وسيبقى العالم مضطربا حتى يتولى ترامب السلطة في يناير القادم ويبدأ مسيرته.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق
جوني عبده

جوني عبده ج2 :اتفاق القاهرة بين عرفات و البستاني..ومواجهات نهر البارد

التالي

ترانيم الثورة فى مصر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share