يستعرض الفريق سعد الدين الشاذلي كواليس حرب أكتوبر 1973، وكيف بدأت المعركة بنصر ساحق.
وتناول الشاذلي الحديث عن غرفة القيادة، وخط بارليف، والعبور، ونجاح الضربة الأولى، والحالة المعنوية للجيش في الساعات الأولى من بدء الحرب.
نص حوار الفريق سعد الدين الشاذلي عن حرب أكتوبر 1973
أحمد منصور: إحنا الآن دخلنا إلى 6 أكتوبر إلى الحرب. ماذا وقع يوم 6 أكتوبر بالنسبة لك من الصباح؟
سعد الدين الشاذلي: بالنسبة للصباح وحتى الساعة الثانية أو قبل ذلك بقليل، كنت بأمر على مركز القيادة اللي موجود فيه القوات علشان أتأكد من إن كل واحد في مكانه، كل واحد فاهم الواجب بتاعه وخلافه، وفي الوقت نفسه بأتابع ما تقوم به الوحدات والتشكيلات لأن كل واحد بقى عندي جدول زمني قبل الهجوم بساعة ده بيعمل كذا وده بيعمل كذا، فكل شغلنا يوم 6 أكتوبر هو أن نتلقى التقارير ونشوف كل حاجة ماشية حسب ما هو متوقع أو لأ. والحقيقة كانت شيء رائع بحيث إن كل شيء في التوقيتات كما لو كان نقوم بطابور تدريب تكتيكي..
أحمد منصور: ألم يكن لديكم أي مخاوف من أن تعلم إسرائيل بموعد الهجوم وتسبقكم ولو قبلها بساعة؟
سعد الدين الشاذلي: طبعاً هذه الشكوك كانت قائمة، إنما أنا –كما سبق وأن قلت لك- إن أنا يوم الجمعة زرت الجبهة وبعد ما زرت قيادة الجيش الثاني والجيش الثالث طلعت على نقطة مراقبة في الإسماعيلية اللي هي غرب القناة مباشرة وبيني وبين العدو 180 متر، وابتديت أبص عليه بالنضارة وأشوف العادات بتاعته، لقيت العادات ثابتة تماماً يعني ليس هناك أي شيء يدل على إن هو أيه حس؟
أحمد منصور: يشعر بشيء.
سعد الدين الشاذلي : حس بإن ترتيباتنا للهجوم أصبحت وشيكة، لإن الكلام ده كان قبلها بـ 24 ساعة تقريباً.
أحمد منصور: قادة الجيوش متى علموا بموعد الحرب بالدقة؟
سعد الدين الشاذلي: علموا بها يوم أول أكتوبر –قادة الجيوش- طبعاً الخطة موضوعة كلها على أساس إن وقت ما يتعرف اليوم والساعة يبقى فيه توقيتات بنسميها “ي ناقص كذا” اللي هي “يوم ناقص كذا” يتعمل كذا. وساعة س اللي هو ساعة بدء الهجوم بنقول س ناقص 60 دقيقة بيعمل كذا، س ناقص 45 دقيقة كذا كذا كذا. فكل بمجر من إن إحنا نقوله يوم الهجوم بيترجم الياءات الناقصة دي إلى أيام حقيقية، ولما يعرف ساعة الهجوم بيترجمها إلى إيه؟ ساعات حقيقية يعني.
موعد المعركة
أحمد منصور: الجنود اللي في المعركة متى علموا بموعد المعركة؟
سعد الدين الشاذلي: يوم 6 أكتوبر صباحاً.
أحمد منصور: كل الجنود كانوا على علم أن هناك حرب في الساعة الثانية وخمس دقائق.
سعد الدين الشاذلي: آه، صباحاً. كل واحد يعرف المهمة بتاعته فقط لا غير. المبدأ العام.
أحمد منصور : شعور الجنود أيه سعادة الفريق؟ أنا الجانب النفسي الحقيقة بأجد إجهاد شديد عندي في استيضاحة عندك، لأن أنت عسكري محترف، الجوانب العاطفية والنفسية بألاحظ –اسمح لي- إنها غايبة كتير، بس ما أعرفش هل.. هل حقيقة أنت تتعامل مع.. كنت تتعامل مع الواقع العسكري بهذه الطريقة؟
سعد الدين الشاذلي: شوف: أولاً بالتحضيرات وبالحسابات العلمية أنا كنت واثق تماماً بإن إحنا لازم هنتصر، وبالشحن المعنوي اللي إحنا كنا بنديه للأفراد كنت واثق تماماً إن إحنا هنتصر. ولكن مهما كانت هذه الثقة لابد وأن تشعر بشيء من القلق..
أحمد منصور : كنت تعيش القلق.
سعد الدين الشاذلي: ولكن.. آه طبعاً.. ولكن الشعور بالقلق شيء والثقة بإنك أنت ستنجح شيء آخر، يعني بالعكس الشعور بالقلق ده مطلوب في بعض الأوقات، لأن ده بيبعث.. الدماء الحارة في إيه؟ في جسم الواحد ويخلية إيه؟ يتحفز ويصبح ذات قدرات ما يقدرش إيه؟ تكون في الظروف العادية.
أحمد منصور: صحيح.
سعد الدين الشاذلي: فمش عيب أبداً إن الواحد يكون قلق وإن يكون متحفز..
أحمد منصور: لكن عشت القلق والتحفز؟
سعد الدين الشاذلي: آه طبعاً. طبعاً، والقلق كان أكثر ليلة 6 أكتوبر وأنا قاعد بأفكر على السيناريو اللي هيحصل وأيه الاحتمالات وأيه احتمالات كذا كذا وكذا، مفيش شك. ولكن في نفس الوقت بقولك كنت إيه؟ كنت واثق بالحسابات إن لازم هننتصر. حتى فوجئت بإن الخسائر بتاعتنا أقل مما كنت متوقع.
خطة العبور والانتصار
أحمد منصور: كانت نسبه الخسائر أنا قبل الدخول إلى المعركة نفسيها –ما هي الشخصيات التي تواجدت في غرفة القيادة والتي انطلقت الرصاصة الأولى في حرب 6 أكتوبر وهي موجودة تتابع الوضع؟
سعد الدين الشاذلي: مركز القيادة العامة؟
أحمد منصور: نعم.
سعد الدين الشاذلي: اللي هو بيطلق عليه المركز 10، كان يجلس في منصة داخل الغرفة. غرفة كبيرة يعني نقدر نقول إنها مثلاً 7 متر × 10 متر أو 7 × 15 متر، في الناحية العرضية دي فيه منصة مرتفعة شوية، فيها ثلاث كراسي يجلس في النصف رئيس الجمهورية، ويمينه القائد العام وزير الحربية، ويساره رئيس الأركان، ومقاطع في الجنب الشمال على حرف “L” يعني يجلس رئيس هيئة العمليات ومعه ظابط آخر من فرع العمليات، وفي المواجهة بتاعة المنصة الرئيسية دي توجد حاجة زي تخته رمل كبيرة عليها الخرائط وعليها الخطة، وفي المواجهة فيه شاشة بتبين لنا الطيران بتاعنا أو الطيران المعادي أولاً بأول.. دي الأية؟ يعني الغرفة الرئيسية بيطلع منها غرف بقى فيه ظباط عمليات لهم اتصال مباشر بأية؟ بقيادة الجيوش وبكل أجهزة القيادة العامة بحيث إنه كل شيء بيحصل بيتبلغ فوراً وبيصب في إيه؟ في الغرفة دي. بحيث إن الواحد وهو جالس في..
أحمد منصور : يعني كنتم على دراية حتى لو طائرة سقطت كنتم تعلموا إن طائرة سقطت؟
سعد الدين الشاذلي: طبعاً بس الحاجات التفاصيل دي يعني ما هيياش يعني..
أحمد منصور: لكن بشكل عام مجرى المعركة.
سعد الدين الشاذلي: آه طبعاً.
أحمد منصور: هل كانت تصدر من عندكم –أيضاً- أوامر محددة لتحريك القوات هنا أو هنا وأوامر للجيوش، أم أن هذه كانت متروكة للقادة التنفيذيين في أرض المعركة؟
سعد الدين الشاذلي: ال 24 ساعة الأولنيين ما فيهمش أي أوامر. الأوامر كلها مسبقة وكل واحد بينفذ ال (Role) بتاعه كما لو كان في طابور تدريب تكتيكي، فهنا بقى التخطيط التفصيلي، يعني أنا بقولك إحنا في 6 أكتوبر.. كل حاجة.. قدامي الجدول الزمني.. كل اللي أنا بشوفه إن..
أحمد منصور: تتابع فقط.
الساتر الترابي
سعد الدين الشاذلي: أتابع وأشوفه ماشي أو لأ.. وكان شيء مذهل إن هو ماشي طبعاً للتوقيت مع إن طبعاً أنا يعني أنا مثلاً لما آجي أقول لك أية.. الثغرات اللي هتتعمل في الساتر الترابي هتتعمل من 5 إلى 7 ساعات، يعني بعد الساعة 2 من 5 إلى 7 ساعات، نيجى نقول مثلاً الكباري من 6 إلى 8 ساعات..
أحمد منصور: هو إحنا نقصد –عفواً- الاستشهاد وليس الإغراق في التفصيلات، لكن يعني إحنا نريد أن نضع المشاهد في تصور الجو النفسي والجو التكتيكي وجو المعركة نفسه كيف كانت القيادة تدير هذه المعركة وتعيش أحداثها.
سعد الدين الشاذلي: الحاجات دي بتبان بعد كده في الأيام التالية، إنما بأقول لك الـ 24 ساعة الأولنيين لا تكاد تكون هناك أوامر، لإن الأوامر مسبقة تفصيلياً لقادة الجيوش، وقادة الجيوش تفصيلياً لقادة الفرق، والفرق للألوية كأنه طابور تدريب تكتيكي، إحنا عندنا حاجة اسمها طابور تدريب تكتيكي، اللي هو التدريب تتدرب على إنك تعبر كذا، فبتعمل كذا.. فبينفذ طابور تكتيكي بتوقيتات الحرب.
الضربة الجوية
أحمد منصور: الآن بعد ما بدأت الحرب يوم 6 أكتوبر الساعة الثانية وخمس دقائق انطلقت الطائرات والمدفعية والمشاة وسلاح المهندسين وكل القوات المصرية وتم العبور..
سعد الدين الشاذلي: مش كلهم مع بعض.
أحمد منصور : لا لا يعني أنا أقصد..
سعد الدين الشاذلي: كل واحد له توقيت معين..
أحمد منصور: كل واحد له دوره يعني الأسلحة.. نعم.
سعد الدين الشاذلي: والمدفعية لها..
أحمد منصور: نعم، نعم.. متى بدأتم تشعروا بأنكم فعلاً الخطة بدأت تنجح.
سعد الدين الشاذلي: تقدر تقول يعني أنا كنت قلق جداً لغاية الكباري ما اتنصبت، لأن قبل الكباري ما تتنصب المشاة بتاعتنا هتبقى معرضة للهجمات المضادة بتاعة بالعدو، وهجمات كلها هجمات مدرعة، والعدو له في خط بارليف.. أصل فيه ناس فاهمين إن خط بارليف هو الحصون اللي الموجودة على الأيه؟ على..
أحمد منصور: على ضفة القناة.
خط بارليف
سعد الدين الشاذلي: على ضفة القناة، وهذا غير حقيقي، خط بارليف ده الخط الأمامي لشبكة الدفاع الإسرائيلية.
أحمد منصور: عمقه كام؟
سعد الدين الشاذلي: عمقه عشرين كيلو.. إمال أيه..
أحمد منصور: خط بارليف عمقه عشرين كيلو..
سعد الدين الشاذلي: لأ.. ما هو التسميات هي.. الخط الأول اللي هو ملاصق للقناة مباشرة، هذا هو ما أصطلح على أنه خط بارليف، إنما شبكة الدفاع الإسرائيلية. عبارة عن.. فيه خلف هذا الخط بحوالي من 5 إلى 8 كيلو. لما أقول من 5 إلى 8 كيلو فيه حتت تبقى 5 كيلو وفيه حتت بقى 8 كيلو ما يبقاش الخط ماشي مستقيم يعني، لإن ده بيتوقف على تبه.. نسبة.. حاجات من هذا القبيل، فعلى 5 لـ 8 كيلو حاطط 120 دبابة.. كتيبة دبابات للعدو.. العدو كتيبة الدبابات بتاعته 40 دبابة، فحاطط 40 دبابة على المحور الشمالي اللي هو المحور المؤدي إلى القنطرة، 40 دبابة على المحور المؤدي إلى الإسماعيلية، 40 دبابة على المحور المؤدي إلى السويس والشرق –خلف هذا الخط- 20 كيلو من القناة- يعني خلف هذا الخط بحوالي 12 كيلو، حوالي 12 كيلو– يوجد 80 دبابة وراء كل محور. يعني لما تحسب..
أحمد منصور: يعني هناك خطوط متتالية على مدى..
سعد الدين الشاذلي : 3 خطوط.. 3 خطوط.
أحمد منصور : العشرين كيلو إذا نجحت في تجاوز خط فأمامك خط آخر..
سعد الدين الشاذلي: لأ مش كده.. لأن هو مش هيستناني دا هو الخطة بتاعته إن عندما يشعر ببدء الهجوم.
أحمد منصور: تتكثف..
سعد الدين الشاذلي: تبص تلاقي الخط الثاني ده ينقله إلى الخط الأولاني، ويملى الفراغات اللي هي بين أيه؟
أحمد منصور: بين الخطوط..
سعد الدين الشاذلي: اللي هي بين حصون خط بارليف، لأن حصون خط باريف 35 حصن على الـ 160 كليو.. ففيه حتت فيها فراغات فهو هيملى الفراغات دي بالدبابات اللي هي الـ 120 دبابة دول، وباقي الدبابات اللي همًّ 240 دبابة هينتقلوا من الخط الثالث إلى الخط الأيه؟
أحمد منصور: الأول نعم.
سعد الدين الشاذلي: الثاني.. الثاني، وهيبقى عنده بدل 3 خطوط هيبقى خطين، فإحنا عاملين حسابنا وفاهمين التكتيك بتاع العدو لإن إحنا في أثناء الحرب عايشين معاهم كذا سنة، فبنعمل أوقات نرفع درجة الاستعداد ونشوفه بيتصرف إزاي وبنشوف أيه التصرفات بتاعته.
أحمد منصور: يعني عفواً نرجع –عفواً سعادة الفريق- لأن أريد برضه الإغراق.
سعد الدين الشاذلي: التفاصيل.. أيوه.
نجاح تام
أحمد منصور: في التفاصيل التي ربما لا يدركها المشاهد بشكلها العسكري. ولكن الآن الضربة الأولى نستطيع أن نقول أنها نجحت بشكل تام. الجوية، الضربة الأولى.
سعد الدين الشاذلي: أيوه آه.
أحمد منصور: الجوية، المشاة، سلاح الـ.. يعني تعتبر نجحت، الأيام الأولى من الحرب، في يوم 8 أكتوبر أنت انتقلت إلى الجبهة، كيف رأيت واقع الجبهة هناك؟
سعد الدين الشاذلي: هنا بقى ده تلاقي فرحة عارمة وشعور لم أشهده قبل ذلك بقى، لأن الجنود والظباط شافوا نفسهم منتصرين.
الروح المعنوية
أحمد منصور: يعني أول انتصار يتحقق؟
سعد الدين الشاذلي: وانتصار.. انتصار ماحق يعني ساحق، والأدهى من ذلك إنهم شافوا كل التوقيتات اللي اتقالت لهم هيحصل كذا وهيحصل كذا، حصل بالظبط كأنما نقرأ في كتاب مفتوح، فده علاوة على رفع الروح المعنوية خلق ثقة جبارة بين إيه، بين الضباط والجنود الأصاغر والقادة بتاعتهم كل فيما يتعلق به وأنا عندي صورة بأعتز بيها جداً اللي هي الصورة بتاعة يوم 8 أكتوبر دول والظباط والعساكر مساكيني من كل ناحية، ويقولولي “التوجيه 41” “التوجيه 41” اللي هم عبروا بيه، اللي هو فيه التفاصيل تفاصيل التفاصيل، اللي هم عبروا به ونجحوا. فطبعاً كانت فرحة عارمة، وكانت الجبهة لم تستقر بعد، لإن كان فيه بعض الحصون بعضها كان لسه سقط الساعة 7 صباحاً، أنا كنت هناك 8 صباحاً، وفيه حتت كانت لسه إيه؟ لم تسقط يعني.
فهرس موضوعات الحلقة
(00:00) ماذا فعل الشاذلي يوم 6 أكتوبر.
(00:40) تقارير المعركة.
(01:46) إبلاغ قادة الجيوش بموعد الحرب.
(04:21) خسائر دون المتوقع.
(04:45) مركز القيادة العامة .
(08:12) العبور.
(09:09) خط بارليف .
(11:52) نجاح الضربة الأولى.
(12:39) رفع الروح المعنوية للقوات .