حوار فرقاء لبنان بين الأمل والفوضى

كان يوم الثلاثاء الماضي السابع من مارس يوما عصيبا علي الجميع فى لبنان السياسيين والصحفيين وحتى عموم الناس ، وقد قدر لي أن أكون هناك فى ساحة النجمة حيث كان القادة السياسيون يعقدون جلستهم التاسعة للحوار الوطني اللبناني ،فى مقر مجلس النواب اللبناني ، حيث كنت أعد الرتوش الأخيرة لحواري الذي كان مقررا فى اليوم التالي مع النائب سعد الحريري رئيس كتلة تيار المستقبل فى البرلمان ضمن سلسة حوارات أجريها مع القادة السياسيين هناك ، فجأة تكهرب الجو أمام البرلمان ، وكان الزملاء من الصحفيين الذين يجلسون أمام مدخل البرلمان دون عمل محرومين من التسريبات التى أقسم الزعماء فى اليوم السابق وفي الجلسة السابعة من الحوار ألا يقوموا بها لوسائل الأعلام ، فجأة تحول الجميع إلي خلية نحل بعدما خرج بعض المشاركين فى الحوار وقالوا إن الحوار أجل إلي الأثنين 13 مارس ، ووقع الخبر كالصاعقة ، فالجميع كانوا يتوقعون نهاية الحوار يوم الخميس التاسع من مارس مع إعلان قرارات تخرج لبنان ولو جزئيا من الأزمة الكبيرة التى يعيشها .
وقد ظلت التشكيكات و التساؤلات والأشاعات تدور بين الجميع حتى خرج رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وأكد في مؤتمر صحفي حقيقة التأجيل ، وبدا أن هناك فى الأفق سحب سوداء تنذر بأن الحوار ربما لا ينعقد مرة أخري ، في ظل الأجواء السائدة ، فالحوار الذي قال عنه رئيس مجلس النواب اللبناني إنه ” صناعة لبنانية ” مائة فى المائة ، وأنها المرة الأولي التى يجتمع فيها القادة السياسيون اللبنانيون دون حضور عربي أو دولي كان كثير من المحللين لهم رأي آخر فيه ، حيث أشار كثيرون إلي أن الحوار وإن كان الحضور فيه لبنانيين جميعا إلا أن تأثير واشنطن وباريس وطهران والرياض والقاهرة ودمشق وحتى تل أبيت واضح في مسار جلساته ، وأن اختيار النائب وليد جنبلاط القيام برحلته الرسمية للولايات المتحدة فى اليوم التالي لانعقاد الحوار قد نقل جلسات الحوار إلي واشنطن حيث قام جنلاط يوم الأثنين السادس من مارس بتوجيه قصف إعلامي شديد علي سوريا وحزب الله ، وأصر علي عدم الأنتقال من نقطة إلي أخري قبل حسم ملف الرئاسة مع ضرورة نزع سلاح حزب الله ، و رغم أن بعض الحضور أكدوا لي أن هناك تقدم ملموس يتم فى بعض الملفات وإن كان بطيئا وبحاجة إلى تفصيل ، ، لكن قصف جنبلاط الأعلامي كان شديدا على مائدة الجلسة التاسعة للحوار حيث رفض السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله أن يقوم جنبلاط بالقصف من واشنطن ، وأنه يرفض النقاش مع نواب له وعليه أن يكون علي مائدة الحوار ليقول لزملائه ما يردده عبر وسائل الأعلام ، كما أن مشاهدة السفير الأمريكي جيفري فيلتمان أكثر من مرة بسيارته فى ساحة النجمة أثناء انعقاد جلسات الحوار وتردده مع السفير الفرنسي والسعود ي والمصري على الزعماء السياسيين جعل كثيرا من المراقبين يؤكدون على تدخلات خارجية من أطراف مختلفة للتأثير علي ما يدور ، رغم أن بعض السفراء أكدوا علي أنهم يدفعون باتجاه نجاح الحوار وتخطي العقبات ، لكن إصرار جنبلاط الذي شن عليه طلال سلمان هجوما كاسحا يوم الجمعة الماضي فى صحيفة السفير ووصفته صحيفة الديار فى أعداد متلاحقة أنه يسعي لتحقيق حلم الدولة الدرزية لم يتوقف فى تصريحاته من واشنطن علي ضرورة نزع سلاح حزب الله ورد حزب الله بقوة علي جنبلاط واتهمه بمحاولة إفشال الحوار ودفع البلاد للفوضي .
اللبنانيون الذين التقيت بهم يائسين من زعمائهم وقد وجدت تباينا واضحا بينهم مثل تباين السياسيين بل وتعصبا مذهبيا بدأ ينتشر بقوة حتى لدي كثير من غير المتدينين ، وهذه مؤشرات خطيرة فى دولة تضم عشرات المذاهب والملل والنحل ولم تتعافي بعد من حرب طويلة دمرت الأخضر واليابس بها .
لم أترك ساحة النجمة الثلاثاء الماضي إلا في وقت متأخر بعدما اتفقت مع ضيفي على تأجيل حوارنا الذي كان مرتبطا بالحوار اللبناني ،وقد لاحظت حالة الفوضي التى عمت المكان بعد مغادة السياسيين ، لكني وجدت أن أصحاب المحلات في منطقة السوليدر التى كانت مغلقة بأكثر من ثلاثة آلاف عنصر أمني كانوا هم الأكثر سعادة لكن الأكثر قلقا وغضبا حيث أعادوا فتح محلاتهم الذي ظلت مغلقة طيلة أيام الحوار ، حتى أن أحدهم قال لي : أرجو أن توجه سؤالا إلي السياسيين هل سيقومون بتعويضنا عن الخسائر التى تكبدناها خلال الأيام الماضية أو التى سنتكبدها إذا عادوا للحوار ؟ لكن آخرين قالوا لي نحن مستعدين للمزيد من الخسائر إذا كان هذا سينهي مشكلة لبنان ، لكن مع تأكيد كثيرين علي أن الحوار لم يؤجل وإنما انتهي لكن الأمل لازال عند كثيرين بأن يعود الفرقاء لمواصلة الحوار لأنه لابديل للحوار إلى الفوضي وما يمكن أن تقود إليه .

Total
0
Shares
السابق

سمات إنسان النظام المصري

التالي

الاقتصاد : معركة أردوغان القادمة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share