كوندليزا فى بيروت من أجل الرئيس القادم

لم أتمكن يوم الخميس الماضي من اللحاق بأي من مواعيدي التى كنت قد رتبتها فى وسط بيروت ، حيث فوجئت بأن وسط المدينة كان مغلقا من قبل قوات الأمن ، وكان السبب أن كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية قد فاجأت اللبنانيين بزيارة لم تكن ضمن جولتها التى تقوم بها لدول المنطقة ، حيث أجلت زيارتها للأمارات العربية يوما بعد تلقيها مكالمة من الرئيس الأمريكي بوش طلب منها خلالها التوجه إلي بيروت لترتيب ملف الرئاسة الساخن هناك ، ولأن ملف الرئاسة وملف لبنان بشكل عام هو فى أيدي الفرنسيين إلا أن الأتهامات التى وجهت من القصر الرئاسي فى بيروت إلي الرئيس الفرنسي شيراك بأنه يقف شخصيا وراء الحملة التى تستهدف رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود جعلت شيراك يطلب من بوش أن تقوم كوندي بالخطوة الأخيرة لأغلاق هذا الملف حتى لا تدخل فرنسا فى مواجهة مباشرة تكون محرجة .
الملفت فى هذه الزيارة أن كوندليزا توجهت مباشرة من المطار إلي مقر البطريرك الماروني نصر الله صفير في إشارات واضحة إلي أن البطريركية أصبحت وليست دمشق من يقرر الرئيس القادم للبنانيين ،وأن هناك دعم أمريكي وقبله دعم فرنسي لدور البطريرك فى تحديد الرئيس القادم بعدما ظل ثلاثين عاما تحدده دمشق ، وكذلك تأكيد علي أن ملف الرئاسة هو الملف الذي جاءت من أجل أن يتم حسمه دون تأخير فلبنان كلها تغلي بسبب إصرار الرئيس لحود على عدم ترك منصبه فيما ترهن الأغلبية النيابية الوضع فى لبنان بشكل كامل بترك الرئيس لمنصبه قبل 14 مارس آذار القادم ، وكان إعلان البطريرك قبل يومين من زيارة رايس عن رفع الغطاء عن الرئيس لحود ، إيذانا بأن عملية اختيار البديل أصبحت قائمة .
كوندليزا التى توجهت بعد ذلك لزيارة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ثم النائب وليد جنبلاط الذي كان معه فى بيته فى كلمنصو زعيم تيار المستقبل سعد الحريري ـ وهذا سر إغلاق وسط بيروت ـ حرصت علي ألا تزور العماد ميشيل عون الذي يعتبر المرشح الأول للرئاسة مع أسماء مارونية أخري يطرحها آخرون هي نسيب لحود وبطرس حرب ، وذلك حتى لا يفهم أن الولايات المتحدة تدعم أي طرف فى الأختيار وأنها تركت للبطريركية تحديد رئيس لبنان القادم و قد عبرت عن ذلك صراحة حينما قالت بعد لقائها البطريرك ” إن صاحب الغبطة صاحب سلطة ولديه صوت قوي ينادي من أجل الحرية والديمقراطية ” وهكذا وضعت رايس الأمر في يد البطريرك ، لكن العماد ميشيل عون الذي التقيته يوم الأربعاء الماضي في حوار مطول كان واضحا بأنه لا يري غيره أحق بمنصب رئيس الجمهورية ، فهو رجل لدينه تاريخ وحيثية ويحظي حسب الأستطلاعات بتأييد أكثر من سبعين فى المائة من الشارع المسيحي وله عشرون نائبا فى البرلمان ، أما الآخرون المرشحون للرئاسة فبعضهم سقط فى الأنتخابات البرلمانية ، ومن ثم فكيف نأتي بشخص لم يحظ باختيار دائرته ليكون رئيسا علي كل لبنان ، وقد أعلن عون فى مقابلته معي في لفته واضحة عن استعداده للتباحث مع تيار 14 آذار حول منصب الرئاسة بعدما أعلن منافسه على الشارع المسيحي سمير جعجع أنهم مستعدون لدعم الجنرال عون للوصول إلي كرسي الرئاسة إذا تبني ما يتبناه تيار 14 آذار ، لكن عون له أيضا شروطه ، كثير من اللبنانيين يتخوفون من مجيء الجنرال عون ، لكن آخرين يرون أن لبنان لا يصلح له إلا الجنرال عون ، لكن عون الذي يعلن أن الحرب علي الفساد ستكون أولي أولوياته جعلت كثيرين يشعرون أنه سوف يضعهم تحت المقصلة ، لكن التواجد فى المناصب غير الحديث من خارجها فى كثير من الأحيان .
لبنان يمر بمرحلة دقيقة ، مليئة بالخوف والحذر والترقب ، فوزراء 14 آذار صعدوا وقاطعوا رئيس الجمهورية يوم الخميس الماضي ، والشيخ حسن نصر الله فى نفس اليوم ألقي خطابا حماسيا تحدي فيه الولايات المتحدة أن تنزع سلاح حزب الله الذي لا تكف عن الحديث ، وهناك ترتيبات لمظاهرات ستحاصر القصر الرئاسي إذا لم يخرج منه لحود قبل الرابع عشر من آذار القادم ، لكن كثيرين يعولون على اجتماع الثاني من مارس آذار للفرقاء على طاولة الحوار التى دعا إليها نبيه بري .
زيارة الساعات الأربع لكوندليزا رايس أغلقت وسط بيروت لكنها زادت من سخونة الوضع السياسي فى لبنان والجميع يترقب ما سوف يحدث فى قصر بعبدا وما سوف يعلنه البطريرك عن اختيار الرئيس القادم لأول مرة منذ ثلاثين عاما .

Total
0
Shares
السابق

مآسي الحرب على الإرهاب

التالي

فشل خيارمقاطعة حماس وعزل غزة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share