من يشعل فتيل الحرب الأهلية فى لبنان ؟

كانت بقايا السيارات وإطاراتها المحترقة ملقاة علي جوانب الطرق بينما قوات الجيش اللبناني كانت تنتشر علي كافة التقاطعات حينما وصلت إلي العاصمة اللبنانية بيروت بعد يومين من أحداث الخميس الدامي ، الخامس والعشرين من يناير الماضي ، حيث أجمع المراقبون علي أن أحداث هذا اليوم التى بدأت بمشادة بين طالبين فى الجامعة العربية فى بيروت وانتهت بمواجهة طائفية كادت تؤدي إلي اشتعال حرب أهلية لاسيما بعدما خلفت بعض القتلي والجرحي من كافة الأطراف ، فإذا كانت الحرب العالمية الأولي بدأت برصاصة قتلت ولي عهد النمسا فى سراييفو وحرب لبنان الأولي بدأت بحادثة الأعتداء علي الكنيسة في إبريل عام خمسة وسبعين ، فإن الجميع كان يخشي أن يكون حادث جامعة بيروت العربية يوم الخميس فتيل إشعال حرب أهلية فى بلد هيأ الشحن الطائفي فيه البلاد للأشتعال في أي لحظة .
منذ وصولي إلي بيروت وكل من يلقاني يسألني بداية من ضباط الجوازات فى المطار وحتي بسطاء الناس فى الشارع عن المستقبل ومخاوفهم من الحرب وكأني أعرف ما لا يعرفه الآخرون فكنت أجيب الجميع بأني جئت حتى بحثا عن المعرفة التى يبحثون عنها ، وحينما وصلت إلي الفندق الذي عادة ما يكون مكتظا بالنزلاء فى مثل هذا الوقت من العام حيث إجازات منتصف العام فى دول الخليج وجدته شبه خال من النزلاء حتى أني كنت عادة ما أجد المطعم فارغا فى الصباح ولا يتناول أحد الفطور غيري ، وحينما سألت مدير الفندق عن النزلاء قال : هناك بعض الصحفيين الغربيين جاؤوا مثلك للتعرف علي ما يحدث ، أما السياح فنحن خائفون يا سيدي ونحن من أهل البلاد فكيف بمن يأتي للسياحة ؟ ، الخوف الذي تحدث مدير الفندق قاله كثيرون بما فيهم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي قال : لقد خفت مما حدث يوم الخميس حينما قطعت الطرقات ، ويبدوا أن الجميع قد خاف فظهر معظم القادة السياسيين من كافة الأتجاهات ليطالبوا أتباعهم بضبط النفس وعدم الأنجرار إلي مسببات الحرب ، بدا الجميع خائفا وغير مستعد لأشعال فتيل حرب لن يستطيع أحد السيطرة عليها ، فالسلاح الذي كان مختفيا ظهر في يد الجميع ، والفصيل الذي نجح فى قطع إحدي الطرق قام فصيل آخر بقطع الطريق عليه فى مكان آخر ، وأدرك الجميع أيضا أن لبنان لن تكون لطرف واحد ، وإنما هي بكل أطيافها للجميع ، وأن أحدا لا يملك مقومات الغلبة علي الآخرين .
و في مساء أحد الأيام جمعني صديق بعدد من اللبنانيين من معظم الطوائف ، كان هناك الدرزي والشيعي والماروني والسني وغيرهم ، وجميعهم من المثقفين و الطبقات العليا فى المجتمع من سياسيين ورجال أعمال ، لم يتخيل أحد منهم أن تصل الأمور إلي حد الأنفلات ، وأن يسعي كل لبناني ليس لديه سلاح أن يبحث عن سلاح يقتنيه الآن ، وأن يتترس كل واحد بطائفته ومذهبة حتى لو لم يقم يوما بممارسة أي شعائر دينية ، لكن ما حيرني أن جميع من لقيتهم لأعرف منهم ما يدور وراء الكواليس بدوا لا يعرفون شيئا ، ربما لأن قدر لبنان أن قراره يصنع خارجه وليس بالدرجة الأولي بيد أهله ، فبعض من سألتهم من السياسيين عن المستقبل قالوا ننتظر ما سوف تسفر عنه المباحثات السعودية الأيرانية ، وآخرون قالوا ننتظر ما سوف يتقرر فى باريس وواشنطن ، وآخرون ينتظرون زيارة عمرو موسي التى يعرفون سلفا أنها لن تنتج شيئا ، وآخرون ينتظرون ما سوف تقرره واشنطن بخصوص ما يقال عن ضربتها العسكرية القادمة إلي إيران ، وكثيرون يرون مستقبلا ضبابيا لا وضوح فيه ، لقد أدرك الجميع بعد تجربة الثلاثاء والخميس أن الأمر لن يكون سهلا علي أحد فالجميع يملك السلاح والجميع داخله من الشحن الطائفي ما يكفي لتفجير حرب أهلية مدمرة ستقضي علي آمال كثيرة ، وإذا كان قرار الحرب الأهلية حسب إجماع كل من لقيتهم لن يكون لبنانيا وإنما خارجيا فإن اللبنانيين وحدهم هم القادرين علي إبطال هذا القرار ، وليس هناك مجال لعودة لبنان إلي الأمان والأستقرار وإبطال أي مشروع خارجي أو حتى داخلي بإشعال فتيل الحرب إلا بالعودة إلي مائدة الحوار ولكن بإرادة لبنانية حرة ، أما التجاذب الطائفي القائم فلن يقود في النهاية إلا إلي ما يخشاه الجميع .

Total
0
Shares
السابق

تساؤلات عن مصير عملاء الاحتلال فى العراق

التالي

سكك حديد مصر .. رحلات للآخرة

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share