حريق تقسيم العراق

كان الأعلان عن رفض الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش قبل أيام عن خطة لتقسيم العراق إرهاصا بأن هذه الخطة قد أصبحت علي مكتب الرئيس أو علي الأقل طرحت أمامه ، مما يعني أن الأدارة الأمريكية التى أصبحت فى ورطة حقيقية فى العراق ربما تلجأ إلي تنفيذ هذا المخطط كمخرج من المأزق الأمريكي فى العراق ، وقد توافق رفض بوش لخطة تقسيم العراق ، مع خريطة نشرت على نطاق واسع فى كثير من الصحف والمجلات الغربية تحوي تقسيما جديدا لبعض دول المنطقة وليس العراق وحده ، لكن العراق ربما يكون الآن قد أصبح فعليا وفق المعطيات المتتابعة علي أبواب التقسيم ، فالعراق كان له رئيس واحد ، لكن أصبح الآن هناك رئيس لأقليم كردستان العراق ونائب للرئيس دون باقي أقاليم العراق الأخري ، كما أصبح هناك دستور لكردستان تم الأنتهاء من مسودته ، حيث أعلنت لجنة صياغة الدستور الكردستاني أنها ستطرح المسودة على البرلمان الكردي بعدها يتم طرح المسودة فى استفتاء شعبي عام خلال الأشهر القادمة ، وقد توجت هذه الخطوات بما أعلنه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني يوم السبت الماضي الثاني من سبتمبر قراره وفق المرسوم رقم 60 الذي ألزم جميع الأدارات الحكومية التى كانت ترفع علم العراق إنزال هذا العلم ورفع علم كردستان بدلا منه ، ورغم أن البرزاني سعي لنفي أية مساعي كردية للأنفصال عن العراق من خلال هذه الخطوة وذلك ردا علي الأحتجاجات التى انطلقت من كل مكان ردا علي هذه الخطوة إلا أن كافة الخطوات السابقة وكثير من السيناريوهات تشير إلي أن العراق الذي لم يقسم فعليا حتى الآن ربما يكون على طريق إعلان التقسيم ، ولن يكون الأمر بعيدا عن الأمريكيين الذين يواجهون مقاومة عاتية أفسدت عليهم كافة مخططاتهم ليس فى العراق وحده وإنما فى المنطقة ، كما أن غياب أية رؤية لدي الأدارة الأمريكية تجاه مستقبل العراق ليس الآن ولكن منذ أول يوم لاحتلاله كما أشار إلي ذلك كثير من الكتاب الأمريكيين الذين تمكنوا من الأطلاع على المخططات الداخلية للأدارة الأمريكية مثل بوب وودورد مدير تحرير” الواشنطن بوست ” من خلال كتابه ” خطة الهجوم ” أو جيمس ريزن الصحفي المتخصص فى شئون الأمن القومي فى صحيفة ” نيويورك تايمز ” فى كتابه ” حالة حرب ” أوحتى الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر فى مذكراته ، الجميع يؤكدون على وجود ضبابية لدي الأدارة الأمريكية فى تصورها لمستقبل العراق بعد احتلال ، ومن ثم فإن السعي للخروج من هذا المأزق بأية طريقة حتى لو بالتقسيم هو أمر أصبح واقعا الآن رغم سعي البعض للتنصل منه .
ومخطط تقسيم العراق ربما لا يكون جديدا فقد طرح عدة مرات بعد حرب العام 1991 ، بل إن البعض اعتبره واقعا غير معلن من خلال خطوط العرض التى حددتها الولايات المتحدة للطيران العراقي شمال العراق وجنوبه ، كما أن الحديث المعلن من أطراف عراقية عديدة حول النظام الفيدرالي هو مرحلة أولية لعملية التقسيم كما يشير بعض المراقبين ، ورغم المخاطر التى تحيط بعملية التقسيم سواء كانت معلنة أو مستترة كما هي الآن فإن الضرر سيقع على الجميع حتى الذين يعتقدون أن التقسيم سيحقق لهم أحلاما تراودهم منذ عشرات السنين ، فالعراق التاريخي كان أكبر بكثير من حدوده الحالية التى لم تقسم بعد ، ومن تلك البقعة الواسعة استمد العراق اسمه وقوته ، فإذا تمت أية عمليات تقسيم جديدة فلن يكون هناك شيء اسمه العراق ، ومعني ذلك أن كثيرا من الدول المرشحة للتقسيم سواء عرقيا أو مذهبيا كما جاء فى بعض الخرائط المتداولة لن تكون بمنأي عن التقسيم ، كما أن بعض الدول التى ترفض التقسيم مثل تركيا التى تحارب وبقوة قيام أية دولة كردية على حدودها ربما تقلب سياستها رأسا علي عقب إذا تم إعلان تلك الدولة التى ستسعي لضم أكراد سوريا وإيران ، مما يعني أن ما يمر به العراق الآن لن يحرق العراق وحده كما يعتقد بعض الذين يشعرون أنهم فى أمان ولكن سيحرق الجميع .

Total
0
Shares
السابق

تقويض شهادة بترايوس و كروكر

التالي

تفكيك القصر الرئاسي

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share