تقويض شهادة بترايوس و كروكر

المسافة الزمنية كانت قصيرة للغاية ، بين زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش السرية للعراق فى 4 سبتمبر 2007 ولقائه الأستعراضي مع رئيس مجلس عشائر الأنبار عبد الستار بوريشة ذلك اللقاء الذي ركزت عليه وسائل الأعلام الأمريكية ، ثم تغني قائد القوات الأمريكية فى العراق الجنرال ديفيد بترايوس والسفير الأمريكي في العراق ريان كروكر علي مدي يومين أمام الكونجرس بالأمن والأمان اللذين ترفل فيها محافظة الأنبار والتعاون الهائل الذي قدمه بوريشة ورجاله للقوات الأمريكية ، ثم اغتيال بوريشة يوم الأربعاء 12 سبتمبر قبيل ساعات من خطاب كان الرئيس بوش سيواصل فيه التغني بالأنبار ورئيس مجلس عشائرها المتعاون مع الأمريكيين .
فالحادث وقع بعدما نجح الجنرال والسفير في تقديم صورة ضبابية لوضع القوات الأمريكية في العراق تعود بعها إلي المربع صفر ، ليس الآن ولكن بعد عام من الآن حيث سيعود وضع القوات الأمريكية إلي ماكانت عليه قبل الخطة الأمنية التى بدأت علي يد ” الأمل الأخير لبوش ” الجنرال بتريوس في شهر يناير الماضي وتم خلالها زيادة عدد القوات الأمريكية ثلاثين ألف جندي إضافي ، ليعود العدد بعد عام من الآن إلي مائة وثلاثين ألف جندي وهو العدد الذي كانت عليه فى شهر يناير الماضي ، إنها لعبة الأرقام والرؤية الضبابية التى يحرص الرئيس الأمريكي أن يبقي عليها الوضع إلي أن يغادر البيت الأبيض فى شهر يناير من العام 2009 أي بعد خمسة عشر شهرا من الآن ، وكما أخبرني المؤرخ الأمريكي البارز بول كينيدي فى حوار أجريته معه فى 12 سبتمبر الماضي أن بوش حريص علي أن يبقي الوضع علي ماهو عليه حتى يغادر البيت الأبيض .
بوش نعي بوريشة فى خطابه الذي ألقاه مساء 12 سبتمبر ، واعتبرت واشنطن اغتيال بوريشة عملا مشينا وخسارة فادحة ، فالرجل كان يقيم في مجمع سكني مغلق عليه وعلي أتباعه ولا يفصله سوي شارع عن أكبر معسكر للقوات الأمريكية في مدينة الرمادي ، وعلاوة علي الحراسة المكثفة حول المجمع السكني لبوريشة فإن هناك دبابة ترابط أمامه ومع ذلك فقد تم اغتياله وقد علقت صحيفة الأندبندنت البريطانية علي الأهتمام الزائد من قبل الرئيس الأمريكي ببوريشة قائلة صباح الخميس 13 سبتمبر في عنوانها الرئيسي ” اهتمام أدي للهلاك ” ، أما صحيفة الجارديان فقد عنونت للحادث قائلة ” مقتل منارة الأمل لدي بوش ” مشيرة إلي أن زيارة بوش التى لم تستغرق للعراق سوي ست ساعات حظي فيها بوريشة باهتمام الرئيس ولقائه ، واعتبرت أن مقتل بوريشة يمثل إحراجا كبيرا لأدارة بوش ، لكن أيا كان الوضع فحجم الأحراجات التى تعرضت لها إدارة بوش وتتعرض لها منذ احتلالها للعراق هي إحراجات ليس لها مثيل فى تاريخ أي إدارة أمريكية ومع ذلك فإن الرئيس يصر علي أن يقود السفينة حتى قاع المحيط كما يشير بعض المراقبين ، تدعمه الصلاحيات المطلقة التى يتمتع بها أي رئيس أمريكي والتى تجعل من الصعب محاسبته أو إيقافه أو أقالته ، حتى أن الديمقراطيين رغم كل ما حققوه من نجاحات فى السيطرة علي مجلسي الكونجرس إلا أن صلاحيات الرئيس تمكنه من التغلب علي كل الأعتراضات وطلب المهلة تلو المهملة حتى ترسوا السفينة بالجميع فى القاع .
فرغم أ ن الجنرال والسفير حاولا في شهادتهما أمام الكونجرس أن يقدما صورة وردية للعراق الآن إلا أن أصوات الأنفجارات والقتلي والخراب والدمار في العراق وصلت إلي القاعة التى كانا يتحدثان فيها عبر المعترضين علي الحرب الذي تمكنوا من دخول القاعة وإسماع أصواتهم واعتراضاتهم إلي العالم الذي كان يتابع شهادة الجنرال والسفير ، ورغم تهديدهم بأنهم سيواجهون عقوبات قانونية إلا أن ذلك لم يمنعم من اتهام الجنرال والسفير بالكذب ، والأمر لم يقف عند حد اتهام الجنرال بالكذب بل تخطاه إلي اتهامه بالخيانة عبر إعلان مدفوع الأجر نشرته منظمة ” موف أون ” الليبرالية المناهضة للحرب صباح يوم الشهادة فى أكبر الصحف الأمريكية ” نيويورك تايمز ” حيث تلاعبوا بالكلمات فالجنرال اسمه ” بترايوس ” وهي قريبة من فعل ” بتراي” بالأنجليزية أي يخون أو يخدع فكان التساؤل من قبلهم هل الجنرال ” بترايوس ” ” بتراي يس ” أي ” يخوننا أو يخدعنا ” فكانت ضربة قاصمة لأمل بوش وتشكيكا مسبقا فى شهادة الجنرال حتى أن المرشح الجمهوري رودي جولياني اعتبرها الأعلان اغتيالا معنويا لبترايوس ، لكن أيا كانت النتيجة التى أدت إليها شهادة الجنرال فهي ليست سوي دوران في الدائرة المفرغة زيادة القوات وتخفيض القوات ، لكن مقتل بوريشة مثل الضربة القاصمة التى قوضت شهادة الجنرال والسفير وأعادت الجميع لحقيقة ما يدور في العراق .

Total
0
Shares
السابق
بول كينيدي

بول كينيدي : تغيير ميزان القوى في العالم ..والغزو الأميركي للعراق

التالي

حريق تقسيم العراق

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share