مصر : الانهيار يطال كافة مناحي الحياة

«مفيش كهرباء» «مفيش عيش»، «مفيش مية» كانت هذه عناوين الصفحة الأولى لصحيفة «الدستور» المصرية يوم الخميس 9 1 أغسطس الماضي، حيث تعكس شيئا من حجم الأزمة التي يعاني منها الشعب المصري والتي كشفت خلال الأسابيع القليلة الماضية عن تردي كامل لحالة الخدمات من الكهرباء والمياه والخبز وغيرها من ضرورات الحياة الأخرى.
ففي الوقت الذي يرفع وزراء الحكومة تقارير تشير الى ان كل شيء على ما يرام ويلقون بالمسؤولية على الشعب المصري الذي لا يجيد التعامل مع النعم التي بين يديه بطريقة حضارية ويستهلك من كل شيء أقصى طاقته فيأكل أكثر مما يجب، ويستخدم الكهرباء بعشوائية ، ويشرب من الماء أضعاف ما يشرب باقي البشر، مما يتسبب في هذه الأزمات، تزداد الأمور تعقيدا يوما بعد يوم حتى وصلت الى منازل الوزراء والمسؤولين أنفسهم.
فقد انقطعت المياه لعدة أيام عن القاهرة الجديدة التي يسكنها كثير من الوزراء وبها الجامعة الأميركية والألمانية ومنتجعات الغولف المختلفة التي يسكنها علية القوم وذلك بسبب انفجار الماسورة الرئيسية التي تمد المدينة بالمياه حيث استغرق اصلاحها عدة أيام.
نفس المشكلة طالت مدينة السادس من اكتوبر التي يسكنها باقي أعضاء الحكومة، حيث اتضح ان ماسورة المياه الرئيسية الخاصة بها يحدث بها كسر أو عطل بشكل دوري وان المياه تنقطع عن سكانها الذين كانوا مثل سكان القاهرة الجديدة ينشدون الحياة في مدن جديدة مع خدمات جديدة لكن اتضح ان هذه المدن كلها اسست بعشوائية متناهية حيث تطل قصور الغولف على المساكن الشعبية في مشهد ليس له مثيل الا في مصر كما ان معظم الخدمات مثل المياه والكهرباء والغاز تأتي من الاحياء والمدن المجاورة وليست خاصة بها.
واذا كانت العاصمة القاهرة تحظى بالقدر الاكبر من الخدمات ويعيش سكانها هذه المآسي فإن الوضع اكثر سوءا في محافظات مصر حيث تنقطع الكهرباء عن معظم المحافظات لفترات طويلة مما يؤدي الى تعطل الحياة بشكل كامل ومحطات توليد المياه والمخابز والمصانع وحتى الورش الصغيرة وكل ما يمكن ان يتخيل بعدما اصبحت الكهرباء هي مصدر الحياة الرئيسي للناس.
لكن اسوأ شيء هو ان معظم المستشفيات او كلها غير مجهزة بمولدات كهربائية لتشغيل غرف العمليات وغرف الطوارئ ولنا ان نتخيل الحجم الكارثي لهذا الامر وحجم وعدد الضحايا الذين يموتون على الاسفلت جراء رعونة سائقي الشاحنات الذين اعلنوا بشكل مباشر تحدي قرار رئيس الجمهورية بايقاف عمل الشاحنات في العام 1 1 0 2 واعلنوا بشكل مباشر على صفحات الصحف تحديهم لقرار رئيس الجمهورية وقالوا ان الحكومة لن تستطيع الوقوف امام 0 7 الف مقطورة وكان سائقو الشاحنات قد قاموا باضراب اغلقوا فيه معظم الطرق الرئيسية في مصر قبل عامين مما دفع الحكومة الى محاولة تسكين الازمة معهم وتقديم وعود لهم بتمديد فترة الغاء تسيير المقطورات التي تدمر البشر والطرق في مصر لكن إعلان الرئيس أنه لا تمديد لتسيير المقطورات جعلهم يتحدون قرار الرئيس وهذا يعكس حجم الضعف والاهتراء والعشوائية والتكلس الذي تعيشه مصر الآن والذي يستغله أقطاب النظام الحاكم لتسويق جمال مبارك خلفا لأبيه في الانتخابات الرئاسية القادمة في ظل تقارير تتحدث عن تردي صحة الرئيس أو توريث الحكم لنجله وهو على قيد الحياة، وذلك حتى تبقى الملفات السوداء مغلقة ومستنقع الأزمات يقوم على المسكنات وليس على الحلول الجذرية ولا يحاسب الشعب من نهبوا خيراته وأوصلوه إلى هذا المستنقع من الأزمات.
ولنا أن نتخيل أن الجهاز المركزي للمحاسبات وهو أحد أجهزة الدولة الرقابية يقدم تقارير للنائب العام ولأعضاء «مجلس الشعب» عن الفساد القائم وتورط المسؤولين فيه وإهدار المال العام ثم تناقش هذه الأشياء بشكل مخجل وكأننا أمام سرقة بضعة أرغفة من الخبز وليس مصير شعب ومقدرات دولة.
والعجيب أن كثيرا من أقطاب النظام لم يكونوا يتخليون أن الأمور يمكن أن تصل ما وصلت إليه من ترد فأصبحوا غير راضين عن تفشي الفساد وتردي الخدمات وتفاقم الأزمات بالشكل الذي هي عليه الآن لكنهم جميعا شركاء في هذه الجريمة التي تتم ضد مصر وشعبها، وهو بإجماع المراقبين أمر لم تصل إليه مصر من قبل حتى في عصر الهكسوس، فالمشادة التي حصلت بين وزير الكهرباء ووزير البترول المصري في 9 1 اغسطس الماضي في حديقة الرئاسة بعد لقائهما بالرئيس والتي انتهت بتبادل القبلات كما يحدث في مثل هذه الأمور تكشف حجم العور القائم في النظام، وكيف ان الإسرائيليين ينعمون بالغاز المصري وفق الاتفاقات السرية أو المعلنة بينما لا يجد المصريون الغاز لتشغيل محطات الكهرباء أو طهي طعامهم، حتى تحولت كثير من بيوت المصريين إلى قبور بسبب انقطاع الكهرباء.
المشكلة الاساسية ان ما ظهر في مصر الآن من أزمات ليس وليد اليوم أو الأمس ولكنه نتيجة سياسات خاطئة مستمرة منذ عقود تقوم على عدم الشعور بالمسؤولية تجاه مصر وشعبها، وبالتالي فإن عملية الاصلاح لشبكات مهترئة من المياه والكهرباء والخدمات أو سياسات متكلسة غارقة في البيروقراطية والفساد، واجنحة فاسدة تقوم على الترقيع والترحيل للأزمات لن يحل هذه الأزمات وإنما يفاقمها، وبالتالي فإن المصريين أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يصبح الناس يوما فيجدون كل مقومات الحياة قد توقفت لا غاز ولا كهرباء ولا مياه ولا هواتف ولا مواصلات وربما حتى لا هواء ليتنفسوا، وإما أن يكون هناك تغيير جذري ينقذ ما بقي لأن مصر وشعبها لا يستحقون هذا الهوان.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الأميركيون ينهبون أموال العراق بوسائل شتى

التالي

حينما يتحول القتل إلى ثقافة واستمتاع

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share