لبنان يندفع نحو مستقبل مجهول

منذ أن وصلت إلى مطار رفيق الحريري الدولي في العاصمة اللبنانية بيروت إلى أن غادرته وكل لبناني يعرفني بدءا من ضباط الجوازات في المطار إلى الناس العاديين في الشارع يسألني عن المستقبل الغامض الذي يمكن أن يصل إليه لبنان في ظل التوترات السياسية المتصاعدة التي أخذت بعدا طائفيا بارزا خلال الأيام الماضية، وحينما يجتمع الناس على سؤال واحد فإن معناه أن هناك ضبابية سياسية وغموضا يجعل الجميع يترقب، ورغم أن كل لبناني التقيته قال لي نحن لا نريد الحرب، إلا أن هناك أطرافا سواء خارجية أو داخلية تريد أن تشغل اللبنانيين بحرب جديدة لا يعلم أحد إلا الله إلى أين يمكن أن تذهب بهذا البلد الذي لم يشهد استقرارا دائما منذ ما يقرب من خمسة وثلاثين عاما.
قضيت في لبنان عدة أيام كنت أبحث خلالها عن معالم المستقبل وأحاول أنا الآخر أن أنفذ إلى ما وراء ضبابية المشهد ربما أجد ضوءا يمكن أن يقودني إلى الإجابة عما يبحث عنه اللبنانيون.
جلست مع بعض رجال الأعمال في مجالات مختلفة فوجدت لديهم قلقا واضطرابا حتى أن أحدهم أخبرني أنه أوقف العمل في عدة مشاريع عقارية كان من المفترض أن ينتهي منها خلال عدة أشهر حتى يعرف إلى أين المسير، وأخبرني آخرون يعملون في مجالات أخرى أنهم قاموا بتخفيض نسبة العمل لديهم إلى الحد الذي لا يقف فيه العمل ولا يكون بقوته، بينما قال البعض الآخر أنهم نقلوا جزءا من عملهم إلى دبي أو بعض دول الخليج الأخرى ليكون بديلا لتعاملاتهم الخارجية حال حدوث ما يخشاه الجميع.
لكن آخرين قالوا لقد كنا نعمل في الحرب وتحت أسوأ الظروف ونحن لا نملك إلا أن نستمر في عملنا مهما كانت العواقب.
الصحفيون لم يكونوا أكثر تفاؤلا من رجال الأعمال، وقد حصر الصحفيون الأزمة في طرفين هما تيار المستقبل وحلفاؤه، وحزب الله وحلفاؤه، والسبب الرئيسي للأزمة طبعا هو المحكمة الدولية والقرار الظني الذي يرتقب أن يصدر قبل نهاية العام والذي يرجح أنه سيوجه الاتهام لحزب الله بالمسؤولية عن مقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
حزب الله يرفض هذا الاتهام شكلا وموضوعا، ويستند إلى تصريحات صدرت من رئيس الوزراء سعد الحريري برأ فيها سوريا من دم والده ووجه انتقادا شديدا لما يسمى بشهود الزور. ويطالب الحزب بأن يصدر الحريري من الآن تبرئة للحزب من دم والده مثل التي أصدرها لسوريا دون انتظار للقرار الظني، لأن انتظار القرار الظني وقبوله معناه أن هناك حربا أعلنت على الحزب وقيادته وعلى الحزب أن يرد على هذه الحرب.
ومن المعروف أن المحاكم الدولية تبدأ عادة باتهامات توجه إلى قادة صغار ثم تصبح ككرة الثلج المتدحرجة وسرعان ما تصل للقيادات، ولعل السودان يمثل نموذجا لهذه الاتهامات التي بدأت باتهامات وجهت إلى بعض قادة الجنجويد وسرعان ما وصلت لرئيس الدولة عمر البشير، وما يخشاه الجميع في لبنان حسبما أفادني به سياسيون محللون لبنانيون هو ان يتدحرج القرار الظني ويصل الى قيادة حزب الله وقد يصل الى القيادة السورية كذلك فتبرئة سعد الحريري للسوريين لا تعني شيئا للمحكمة التي لا يستطيع احد ان يوقفها سواء اراد اللبنانيون ذلك ام رفضوا ورغم ان نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قال لرئيس الحكومة سعد الحريري في حوار له مع محطة «ال بي سي» اللبنانية يوم الخميس الماضي: نقول للرئيس الحريري ان باستطاعته اجراء اتصالات مناسبة لعدم اتهام حزب الله وعلينا الانتباه ازاء الاتهام السياسي، فالمقربون من الحريري قالوا ان ازاحة الاتهام السياسي لا تعني ازاحة الاتهام القضائي الا ان هناك جهودا يمكن ان يبذلها سعد الحريري عبر علاقاته الدبلوماسية ليأخذ القرار الاتهامي منحى غير ظالم.
وقد نشرت صحيفة الاخبار اللبنانية المقربة من حزب الله تقريرا يوم الجمعة الماضي نقلت فيه عن مرجع امني لصيق برئيس الحكومة سعد الحريري قال فيه ان حزب الله هو الذي اغتال الرئيس رفيق الحريري، وقال المصدر: انه في عام 6 0 0 2 وقبل حرب تموز وصل فرع المعلومات لقوى الامن الداخلي الى معطيات وادلة تثبت تورط افراد من حزب الله في عملية التنفيذ، فزار العقيد وسام الحسن رئيس الحكومة سعد الحريري وابلغه المعطيات ثم طلب الحريري من السيد حسن نصر الله موعدا للحسن الذي زاره سريعا، وابلغه بهذه المعطيات التي لم يوافق عليها نصر الله لكنه لم يقدم نفيا لها. ثم حصلت ثلاث جلسات مع مسؤولين امنيين في الحزب لمناقشة الادلة. يستفيض المرجع الامني في شرح ما حصل بين رفيق الحريري وحزب الله من مراسلات ولقاءات او بين قوى الامن الداخلية، ضمنا فرع المعلومات وحزب الله التي يمكن تلخيصها بعبارة بسيطة طرحنا مخرجا على حزب الله حينها هو ان يقول الحزب انه مستعد لمحاكمة اي عنصر من افراده توجد ادلة تدين تورطه باغتيال الحريري وهو تماما مثل خريطة الطريق التي قدمها وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي ردد عدة مرات ان سوريا ستحاكم اي مواطن سوري يثبت تورطه بعملية الاغتيال بتهمة الخيانة العظمى وقد طرحنا على الحزب اخفاء هؤلاء الاشخاص او تصفيتهم وادانتهم معنويا وبذلك لا يصل التحقيق الى اعلى من دائرة التنفيذ. لكننا فوجئنا يوم اقفل السيد نصر الله الباب وقال انه مسؤول عن اي عمل يقوم به اي عنصر من عناصر حزب الله وكأن جسم الحزب غير مخترق، ونحن نعرف تماما انه اخترق وأعطيناه الادلة على ذلك، وجرت تصفية المسؤولين الثلاثة في الحزب الذين ابلغنا الحزب عن تعاملهم مع اسرائيل، وعند نقاش هذا المرجع بأن حزب الله يرى ان اتهامه اعلان حرب يرد بأن الحزب هو ما اكد الاتهام بتصرفاته السياسية. الى هنا اوقف الاقتباس من صحيفة الاخبار اللبنانية المقربة من حزب الله لان ما اوردته هنا هو خلاصة نقاشات كثيرة سمعتها من اطراف قريبة من الحزب او قريبة من رئيس الحكومة خلال الايام التي قضيتها في لبنان فمخاوف الحزب ان يتدحرج الاتهام الى قمته في الوقت الذي يرى فيه رئيس الحكومة كما اكدت لي اطراف قريبة منه وكما نشرت الاخبار اللبنانية ان سعد الحريري يرى ان الحزب او بعض قيادته على الاقل متورطة في قتل والده. الحزب يمارس ثقله في التصويت ضد اي قرار حكومي بتمويل المحكمة لكن عدم تمويل الحكومة اللبنانية لن يوقفها، وكذلك اسقاط حكومة سعد الحريري ــ كما اخبرني الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ــ ستدخل لبنان في فراغ قاتل وأي زعيم سُني يمكن ان يقبل خلافة سعد الحريري حال استقالته أو اقالة حكومته معناها الدخول في حرب مفتوحة بين السُنة والشيعة.
حملت كل هذه التساؤلات الى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي سعى للقيام بوساطة بين الطرفين فقال لي «الوضع كثيرا مضطرب فالشيعة لن يتحملوا ان يتهموا تاريخيا بقتل زعيم سني بثقل رفيق الحريري ورئيس الحكومة يصر على المحكمة لأنه يريد العدالة وكل من الحريري ونصر الله لا يريد ان يتزحزح والحل لن يكون الا بتفاهم بين الطرفين الوقت ليس في صالح». وحينما سألته عما قام به حزب الله لا سيما في السيطرة على المطار اثناء استقبال اللواء السيد قال جنبلاط «هذا هو فائض القوة» فائض القوة الذي اغتر به الموارنة من قبل وكذلك الدروز وكذلك الفلسطينيون وغيرهم من القوى السياسية الاخرى حيث كان يغري فائض القوة أحد الاطراف ان يسيطر على مناطق الآخر أو حتى على بيروت ثم سرعان ما ينكفئ حتى ان فائض القوة لدى الموارنة قادهم الى قتال بعضهم البعض في النهاية حتى قضوا على بعض، فائض القوة لدى حزب الله الآن يغري بعض قادته بأن يمارسوا ما يقومون به لكن هذا لا يعني انه لا قدر الله لو اندلعت معركة ان الغلبة يمكن ان تكون لطرف مهما كان يملك من فائض القوة، فائض القوة يجب ان يوجه الى اسراذيل وأعداء لبنان وليس الى اي طرف داخلي، لكن هناك من يريد توجيهه للداخل».
الأيام القادمة في لبنان ايام عسيرة دون شك وسواء كان سعد الحريري ام حسن نصر الله كلاهما في موقف تاريخي لا يحسدان عليه ولا نعرف ما الذي يمكن ان ينقشع عنه الضباب في لبنان في المستقبل القريب.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الأثرياء الجدد وملف نهب أراضي مصر

التالي

هل تندفع أميركا على طريق الاضمحلال؟

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share