الرئيس الذي سرق بلادي «3 »

حينما سألت صاحبي عن الهدايا التي يوزعها رئيس تحرير الأهرام ورئيس مجلس ادارتها آنذاك من أموال الشعب قال لي: ان مؤسسة الأهرام توزع هدايا سنوية على المسؤولين في مصر تبلغ قيمتها حوالي خمسين مليون جنيه مصري كل عام، وأن هذه الهدايا تبدأ برئيس الدولة وزوجته وأولاده ثم رجاله المحيطين به ثم وزرائه المتنفذين، ومساعديهم، ثم باقي الوزراء والمسؤولين حتى تصل في النهاية إلى صغار المديرين والموظفين، وتبدأ الهدايا بسيارات من ماركات فاخرة مثل ماركة «جاكوار» التي حصل نجلا الرئيس كل منهما على سيارة منها، أما السيدة الأولى فإنه في كل عام تكون لها هدية خاصة من الألماس تصنع خصيصا لها في أرقى دور المجوهرات في جنيف أو باريس، أما الرئيس ورجاله فإن لكل منهم ساعة مرصعة بالألماس حسب درجاتهم وكذلك الوزراء وزوجاتهم حيث يختارون هداياهم من الكاتالوجات الخاصة بكبريات دور المجوهرات والساعات في العالم، ثم تبدأ درجات ومستوى الهدايا تنزل حتى تصل إلى المفكرة السنوية لبسطاء الناس، ذهلت وأنا استمع إلى تفاصيل الرواية واعتبرت أن بها مبالغة لولا أني تأكدت من مصدر آخر من المعلومة ثم ظهرت الفضائح بعد اقالة ابراهيم نافع رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير الأهرام لأكثر من عشرين عاما، حيث بلغت ديون الأهرام مليارات من الجنيهات.
ثم اتضحت الرواية بتفاصيل قانونية ومعلومات موثقة حينما تقدم مجموعة من صحفيي الأهرام من بينهم الزميل كارم يحيى، في شهر ابريل الماضي ببلاغ إلى النائب العام المصري جاء فيه أن هدايا مؤسسة الأهرام للمسؤولين في عام 2004 وحده بلغت 110 ملايين جنيه مصري ـ أي ضعف المبلغ الذي علمت به في عام 2005 ـ وأن هذه الهدايا تنوعت بين المجوهرات والساعات المرصعة بالألماس وسيارات الجاكوار، تماما كما ذكر لي أكثر من مصدر بالأهرام قبل عدة سنوات، ولم تكن الأهرام وحدها التي توزع القرابين على مبارك وحاشيته من أموال الشعب والدولة حيث بقي رئيس مجلس ادارتها ورئيس تحريرها في منصبه أكثر من عشرين عاما، وحينما علم عبد العظيم حماد رئيس تحرير الأهرام الذي عين بعد الثورة أن ابراهيم نافع قد يقدم قريبا للمحاكمة بعدما كان محميا خلال سنوات حكم مبارك قام بمنع نشر مقاله اليومي في الأهرام بدءا من أول مايو 2011 مما أصاب نافع بالغضب.
ولم يقف الأمر عند مؤسسة الأهرام في تقديم القرابين إلى مبارك وحاشيته وانما كانت «أخبار اليوم» تنافس أيضا للحصول على رضا الفاسد الأكبر، حيث تقدم الدكتور ممدوح حمزة وعاصم عبد العاطي في 28 ابريل الماضي ببلاغ إلى النائب العام المصري جاء فيه أن هدايا مؤسسة أخبار اليوم وحدها إلى الرئيس المخلوع وعائلته ورموز حكمه بلغت 5 ملايين و690 ألف جنيه وقال البلاغ حسبما ورد في موقع «صحفيون متحدون» نقلا عن «البديل» ان ما أمكن حصره من هذه الهدايا وصل نحو خمسة ملايين و690 ألف جنيه منها هدايا لحسني مبارك وحرمه عبارة عن ساعات وشنط وأقلام باجمالي مليونين و209 آلاف جنيه وهدايا لعلاء مبارك وحرمه باجمالي 635 ألف جنيه وجمال وحرمه 634 ألف جنيه وهدايا لجمال عبد العزيز سكرتير الرئيس السابق «ساعة وكرافتة وشنطة» باجمالي 231 ألف جنيه وزكريا عزمي 226 ألف جنيه وهدايا لصفوت الشريف وحرمه بـ 550 ألف جنيه وساعة لعمر سليمان بـ 163 ألف وساعة لرشيد محمد رشيد بقيمة 141 ألف جنيه وساعة بقيمة 99 ألفا للدكتور طارق كامل، وأخرى بقيمة 46 ألف للعميد فوزي وساعة لهاني هلال بقيمة 64 ألفا جنيه وهدايا للدكتور أحمد زكي بدر بقيمة 49 ألف جنيه وساعتين لعهدي فضلي بـ 328 ألف جنيه كما أن الوزراء كانوا يقومون بتقديم القرابين والهدايا إلى الرئيس وزوجته وأولاده وحاشيته كذلك، وعلى سبيل المثال فقد نشرت صحيفة الشروق في 8 مايو 2011 أن وزير العدل السابق ممدوح مرعي قام بتقديم هدايا في عيد الشرطة الذي وافق اندلاع الثورة في 25 يناير إلى وزير الداخلية السابق حبيب العادلي وحاشيته قيمتها مائتا ألف جنيه عبارة عن مجوهرات وهدايا ذهبية غير أن قيام الثورة حال دون اتمام صفقة الهدايا التي سجلت في دفاتر الوزارة.
هذه النماذج على سبيل المثال لا الحصر تبين أن هذا الرئيس الدنيء الفاسد الذي حكم مصر لأكثر من ثلاثين عاما كان يدفع مرؤوسيه للفساد وتقديم الهدايا والقرابين له من أموال الشعب والدولة بهذا البذخ وهذا الإسراف وهذا سر من أسرار اختياره لرجاله طوال ما يقرب من ثلاثين عاما أغلبهم من الفاسدين الذين بقوا إلى جواره معظم سنوات حكمه وقد كان فساده مدخلا لفسادهم هم أيضا وأبنائهم وقد نشرت صحيفة الشروق في 24 ابريل الماضي نقلا عن مصدر رقابي رفض الكشف عن اسمه أن ثروة صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى ووزير الإعلام السابق وأحد أبرز الفاسدين في نظام مبارك وعائلته قد بلغت نحو 29 مليار جنيه، اذ يمتلكون 6 قصور في منطقتي القاهرة الجديدة والساحل الشمالي، و8 فيللات ونحو 15 شقة، وأراضي، كما أنهم يمتلكون 17 شركة للدعاية والاعلان والانتاج السينمائي، وعقارات في دول أوروبية من بينها قصر في لندن يقدر بنحو 80 مليون جنيه، بالاضافة إلى الحسابات البنكية الضخمة في الداخل والخارج وبحسب التقرير المبدئي للجنة «استغل الشريف منصبه كوزير للاعلام وكرئيس لمجلس الشورى في الحصول على هدايا ورشاوى لاتخاذ قرارات ادارية لصالح أشخاص بعينهم وهو ما يمثل ارتكابا لجرائم تلقي الرشوة المقترنة باهدار المال العام وتسهيل الاستيلاء عليها وتربيح الغير على حساب أشخاص آخرين وعلى حساب المصلحة العامة» وكانت صحيفة «المصري اليوم» قد نشرت في 22 ابريل انفرادا بتفاصيل ثروة صفوت الشريف وأولاه من شركات وقصور وفيلات وأراض وأسهم.
أما فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق وأحد كبار الفاسدين في عهد مبارك فقد بلغت ثروته عدة مليارات وقد روى لي وزير الإسكان الأسبق حسب الله الكفراوي بعض قصص الفساد عن فتحي سرور تظهر شخصا دنيء النفس مثل رئيسه تماما وقد نشرت الصحف تفصيلات عن جلسات التحقيق معه في مقر جهاز الكسب غير المشروع وكيف أنه بكى ثلاث مرات خلال التحقيق ثم جثا على ركبتيه حينما جاءت سيارة الترحيلات لنقله إلى السجن ثم قال وهو غير مصدق «آخرتها كلابشات» وهي صدمة وضع القيود الحديدية في يديه، وفي 20 ابريل نشرت صحيفة الشروق تفصيلات عن ثروة زكريا عزمي مدير مكتب حسني مبارك وقالت انها تبلغ عشرة مليارات جنيه والحديث هنا عن الثروة المسجلة في الشهر العقاري فقط، وفي نفس اليوم نشرت تقارير عن تجميد ثروة أبناء كمال الشاذلي في البورصة وهو أحد رجال مبارك الفاسدين والذي رحل خلال انتخابات مجلس الشعب المزورة الأخيرة، وفي 24 ابريل نشرت المصري اليوم أن المستشار عاصم الجوهري، مساعد وزير العدل لشؤون الكسب غير المشروع أمر بتشكيل لجنة من خبراء وزارة العدل لحصر ممتلكات اللواء أسامة المراسي مساعد أول وزير الداخلية لمصلحة التدريب، وابلاغ الرقابة الادارية ومباحث الأموال العامة لاعداد تقرير رقابي عنه، في ضوء البلاغات المقدمة ضده، وكان آخرها بلاغ الفنان راضي غانم، الذي اتهم «المراسي» بالحصول على كسب غير مشروع وتحقيقه ثروات طائلة أثناء شغله مناصب مدير أمن سيناء والسويس و6 أكتوبر والجيزة وحالياً مساعداً للوزير لمصلحة التدريب، وكشفت البلاغات المقدمة أن أرصدته البنكية بلغت 120 مليون جنيه اضافة إلى امتلاكه قصوراً وفيلات وأراضي في عدد من المحافظات، وهناك عشرات ان لم تكن مئات البلاغات حول الموظفين الذين أصبحوا يملكون المليارات بعدما فتح مبارك أبواب الفساد على مصراعيه.
هذا الرئيس الفاسد جعل كل من حوله يفسدون بدءا من مساعديه وحتى أصغر موظفي الدولة، ولعل صدور أول حكم قضائي في 5 مايو الماضي ضد أحد رجاله الفاسدين وهو حبيب العادلي وزير الداخلية السابق بالسجن اثني عشر عاما بتهمة «التربح وغسل الأموال» والزامه برد ثلاثة وعشرين مليون جنيه لخزينة الدولة يكشف عن جانب بسيط من تلك الجرائم التي ارتكبت في حق مصر وشعبها وسوف تكشف الأيام القادمة دون شك المزيد من تلك الجرائم وهؤلاء المجرمين.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

الرئيـــس الـــذي ســــرق بــــــلادي «2»

التالي

تأثير البلطجية على مستقبل الثورة المصرية

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share