احتفالات الليبيين بسقوط نظام القذافي

من نفس الشرفة التي بقي معمر القذافي اثنين وأربعين عاما يخاطب منها الشعب الليبي والتي تقع في القلعة الحمراء التي تطل الآن على ميدان الشهداء ـ الساحة الخضراء سابقا ـ ، وقفت الى جوار عبد الحكيم بلحاج رئيس المجلس العسكري للعاصمة الليبية طرابلس يوم السابع عشر من فبراير ونحن نرقب الجموع التي جاءت من كل مكان وملأت ميدان الشهداء ولم تكن تحمل إلا العلم الليبي ولا تهتف إلا باسم ليبيا، لا صور لزعماء ولا هتافات لقادة وانما فقط ليبيا ومن أجل ليبيا وحريتهم خرجوا، لم أر في حياتي شعبا يضج بالفرحة كما رأيت الشعب الليبي وهو يحتفل بالذكرى الأولى لتحرره من البطش والطغيان الذي فرضه عليه الطاغية معمر القذافي طوال اثنين وأربعين عاما، ولم أصدق أن الرجل الذي أقف الى جواره في هذه اللحظة عبد الحكيم بلحاج كان محكوما عليه بالإعدام من قبل القذافي وارتدى بدلة الاعدام الحمراء عدة سنوات قبل أن يفرج عنه قبيل الثورة ويشارك فيها ويصبح أحد المسؤولين عن أمن طرابلس وحمايتها بعد تحريرها، أمسك عبدالحكيم الميكرفون وردد شعار الثورة الذي يردده كل الليبيين نساؤهم ورجالهم كبيرهم وصغيرهم الله أكبر لقد أصبحت تحية الليبيين في كل مكان هي الله أكبر المساجد منذ قيام الثورة لا يتوقف بها التكبير، الناس في الشوارع تكبر، وتحيي بعضها بالتكبير وكلما غضب أحدهم ردد أحدهم هتاف الله أكبر فيرد الآخرون وتنتهي المشكلة، مشيت طيلة يومين الخميس والجمعة السادس عشر والسابع عشر من فبراير في معظم أحياء طرابلس وشوارعها فشعرت من كثرة الناس في الشوارع والميادين والطرقات أن أهل طرابلس قد خرجوا عن بكرة أبيهم شيبا وشبابا كبارا وصغارا نساء ورجالا كل الأعمار وكل الأطياف وكل الطبقات خرجت تكبر وتحمل العلم وتمشي في الشوارع من بن عاشور الى الظهرة الى تاجوراء الى سوق الجمعة الى فشلوم الى أبوسليم وحي الجامعة والعزيزية الى الأندلس وحي القصر وزاوية الدهماني وعمر المختار والجمهورية وعشرات الشوارع والأحياء مشيت فيها بين الناس الذين كانوا يضجون بالفرحة ، وحينما يرخي الليل سدوله كنت أذهب سيرا على الأقدام الى ميدان الشهداء حيث كان القذافي يحشد الناس بالأموال والامتيازات والاغراءات من قبل حتى يحملوا صوره ويهتفون باسمه، لكن المشهد بعد اثنين وأربعين عاما متغير تماما الناس خرجوا طواعية ورغبة وحبا وأملا وفرحة لا يحملون إلا علم ليبيا ولا يهتفون إلا بحياة بلادهم.
لم تتوقف الألعاب النارية ولا القناديل التي هي أشبه بالمناطيد الصغيرة، حيث كانت تزين سماء ليبيا كلها، كان شارع الكورنيش من أوله الى آخره مليئا بالناس والسيارات، الكل يحمل الأعلام والكل يغني، وحينما ينتصف الليل كنت أعود مرهقا سيرا على الأقدام الى الفندق الذي أقيم فيه لا أرى خلالها الا حشودا من الناس والسيارات تمشي في كل اتجاه، وما أثلج صدري هو أني لم أسمع رصاصة حية واحدة تطلق خلال الليلتين، رغم أن الكل يحمل السلاح إلا أن الكل التزم بأن تكون الألعاب النارية وأصواتها فقط هي التي تزين سماء طرابلس.
وهنا أقف وقفة سريعة عند الحديث الذي لا يتوقف عن انتشار السلاح في أيدي الليبيين، نعم السلاح منتشر وبكثافة كبيرة بين الثوار وداخل المدن، لكنه سلاح غير مخيف على الاطلاق، الناس حينما ترى السلاح تخاف لكن سلاح الثوار في ليبيا رغم انتهاء المعارك لا يخيف أبدا انه يبعث الطمأنينة، واذا كان البعض يتحدث عن الحوادث والاشتباكات والتشنجات فقد حرصت أن أجمع احصاءات عن عدد المواجهات التي تمت بين فصائل الثوار بسبب السلاح فوجدتها محدودة للغاية مقارنة بانتشار السلاح في أيدي الناس، بل ان عدد الذين كانوا يقتلون في حوادث المواجهات في عهد القذافي ربما كانوا أكثر من الذين قتلوا في الحوادث التي وقعت بين الثوار، سألت أكثر من قائد من قواد سرايا الثوار عن أزمة السلاح فأقروا جميعا بأنهم على استعداد لتسليم سلاحهم فور نشوء الجهات التي تتولى جمع هذا السلاح وتوظيفه، عمليا الثوار مازالوا هم الذين يحافظون على الأمن، ورغم تهديدات بقايا أنصار القذافي الا أن أحدا لم يجرؤ أن يعكر على الليبيين فرحتهم، وقبض على بعض المجموعات التي كانت تسعى للتخريب كما أن كمائن الثوار كانت بالمرصاد، حتى الآن السلاح وانتشاره غير مخيف في ليبيا وكل من بيده سلاح يعرف مهمة ودور هذا السلاح، وكان الليبيون عند مستوى المسؤولية في احتفالاتهم التي فعلا كانت تبعث البهجة في نفوس كل من شاهدوها لأنها فرحة من القلب غير مصطنعة رغم أن الثورة مازالت في بدايتها والتحديات أمامها كثيرة إلا أنها حققت شيئا مهما أنها أسقطت النظام وهذا ما لم يتحقق في ثورتي مصر وتونس ان الفرحة التي تنبع من القلب عادة ما تستدعي الدموع، مسحت دموعي وأنا أغادر ميدان الشهداء بينما الجموع التي فرحت بحق كانت تهتف بحق من أجل ليبيا، وما أثار دموعي هو أني كنت في مصر في الخامس والعشرين من يناير لكني لم أجد مثل هذه الفرحة في نفوس المصريين ولم يحتفلوا كما احتفل الليبيون بثورتهم وتمنيت أن ينجح المصريون في اسقاط النظام كما أسقطه الليبيون وأن أرى في وجوه المصريين في الخامس والعشرين من يناير القادم الفرحة والبهجة التي رأيتها في وجوه الليبيين رغم أن ثورتهم مازال أمامها تحديات كثيرة.

الوطن القطرية

Total
0
Shares
السابق

التحدي التاريخي أمام الإخوان المسلمين

التالي

فوضوية المشهد الإعلامي في مصر

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

اشترك الآن !


جديد أحمد منصور في بريدك

Total
0
Share